درس تعليمي 8: صفة الغسل وموجباته في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر
![]() |
درس تعليمي 8 : صفة الغسل وموجباته في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر |
يُعد الغسل في الإسلام من أعظم العبادات التي ترتبط بالطهارة، فهو شرط أساسي لصحة بعض العبادات مثل الصلاة والطواف ومس المصحف، وقد جاء التشريع الإسلامي ليضع أحكامًا واضحة ومفصلة لهذه العبادة، لما لها من أهمية في حياة المسلم الدينية والصحية، فالطهارة ليست مجرد نظافة ظاهرية، بل هي تطهير للبدن وإعداد للنفس للوقوف بين يدي الله عز وجل، ولذا كانت لها أحكام دقيقة وضوابط محددة.
ويتناول هذا الدرس صفة الغسل و موجباته كما وردت في الفقه المالكي، مستندًا إلى ما قرره الإمام ابن عاشر في متنه، حيث وضّح كيفية أداء الغسل بطريقة صحيحة، وبيّن ما يجب على المسلم اجتنابه أثناء الاغتسال حتى يكون طهوره تامًا، كما سنتعرض للموجبات التي تفرض على المسلم الغسل، سواء كانت متعلقة بأسباب طبيعية مثل الحيض والنفاس، أو بأمور أخرى كخروج المني أو حصول الجماع.
لكن قد تطرأ بعض الإشكالات التي تحتاج إلى توضيح، فمثلًا هل يترتب على كل إفرازات البدن وجوب الغسل، أم أن هناك تفريقًا بين ما يوجب الغسل وما لا يوجبه؟ وما هو الحكم إذا نسي الإنسان تخليل شعره أثناء الغسل؟ وهل يجوز الاغتسال دون ترتيب معين بين أجزائه؟ وماذا لو وجد مانعًا يمنعه من تعميم الماء على بعض أعضاء جسده، فهل يُعد الغسل حينها صحيحًا؟
من خلال هذا الدرس، سنسعى إلى الإجابة عن هذه التساؤلات، مع تحليل كل مسألة على ضوء النصوص الشرعية وأقوال الفقهاء، حتى يكون المسلم على بينة من أمر دينه، ويتمكن من أداء الغسل بطريقة صحيحة توافق تعاليم الشريعة الإسلامية.
الغسل في الإسلام
يُعد الغسل من أهم مباحث الطهارة في الإسلام، فهو وسيلة شرعية تُمكّن المسلم من إزالة الحدث الأكبر واستعادة حالته الطاهرة التي تجعله مؤهلًا لأداء العبادات المفروضة، وقد شرع الله سبحانه وتعالى الغسل لحكم عظيمة، فهو ليس مجرد تطهير للجسد بالماء، بل هو شعيرة من شعائر الإسلام التي تتجلى فيها العبودية لله والتزام أوامره.
الغسل في اللغة يُطلق على سيلان الماء على الشيء لتنظيفه وإزالة الأوساخ والنجاسات منه، ويُستخدم أيضًا بمعنى التطهير والتنقية. أما في الاصطلاح الشرعي: فهو تعميم جميع الجسد بالماء بنية رفع الحدث الأكبر، سواء كان بسبب الجنابة أو الحيض أو النفاس أو غيرها من الأسباب التي توجب الاغتسال. وهو عبادة ذات شروط وأحكام يجب الالتزام بها حتى يتحقق المقصود منها، كما جاءت في نصوص الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء.
يكتسي الغسل أهمية كبيرة في حياة المسلم، فهو يُعد من الطهارة الكبرى التي ترفع الحدث وتمكّن الإنسان من أداء الفرائض التي لا تصح إلا بالطهارة، وعلى رأسها الصلاة التي هي عماد الدين، فمن غير الطهارة لا تصح الصلاة، ولذلك أمر الله عباده بالاغتسال عند حصول أسباب الحدث الأكبر، فقال سبحانه في محكم التنزيل: "وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا". فكانت الطهارة شرطًا للصلاة التي هي الركن الأساسي في الإسلام.
وعلاقة الغسل بالطهارة تتجلى في كونه من أعظم وسائل التطهر، إذ يرفع الجنابة ويزيل الآثار الحسية والمعنوية التي قد تمنع الإنسان من الدخول في العبادات، وهو أيضًا وسيلة للتقرب إلى الله، حيث يشعر المسلم بعده بالنقاء الجسدي والروحي معًا، مما يعزز عنده الإحساس بالطهارة الداخلية التي تنعكس على صفاء قلبه وسكينته، ومن هنا جاءت العناية الفقهية بتفصيل أحكامه وشروطه، لضمان تأديته على الوجه الصحيح الذي يحقق مقاصده الشرعية.
صفة الغسل كما وردت في الفقه المالكي
الغسل في الفقه المالكي له صفة مخصوصة ينبغي على المسلم مراعاتها حتى يتحقق المقصود منه وهو رفع الحدث الأكبر والطهارة الكاملة التي تجعله مؤهلًا لأداء العبادات، ومن السنة أن يبدأ المسلم غسله بالنية التي محلها القلب، فيستحضر أنه يغتسل امتثالًا لأمر الله وطلبًا للطهارة، ثم يشرع في أول خطوة وهي غسل الفرج وما حوله من مواضع الأذى، لأن هذا الموضع هو مصدر النجاسة التي يجب التخلص منها أولًا قبل تعميم الماء على سائر البدن.
وغسل الفرج في بداية الغسل يُعد خطوة ضرورية تسبق باقي الأعضاء، وذلك لرفع أي أثر للنجاسة قبل الشروع في الوضوء أو غسل بقية الجسد، إذ إن وجودها قد يؤثر على الطهارة المطلوبة للصلاة، ولأجل ذلك نص الفقهاء على ضرورة غسل هذه المنطقة جيدًا بالماء، مع التأكد من زوال أي أثر نجاسة قد تكون عالقة.
بعد غسل الفرج، ينبغي اجتناب لمسه مرة أخرى ببطن الكف أو الجنب الداخلي للأصابع، لأن ذلك يؤدي إلى نقض الوضوء عند المالكية، مما يستوجب إعادة الوضوء بعد الانتهاء من الغسل، فإذا لمس الإنسان فرجه عمدًا أثناء الغسل، فقد اختلف العلماء في حكم إعادة الوضوء، حيث ذهب المالكية إلى وجوبه باعتبار أن لمس الفرج ناقض للوضوء، أما إذا وقع اللمس بظاهر الكف أو كان من غير قصد، فلا يؤثر ذلك على الطهارة، ولتجنب هذا الإشكال يُنصح بالحرص على غسل الفرج أولًا، ثم عدم لمسه بعد ذلك حتى لا يكون المسلم بحاجة إلى إعادة وضوئه مرة أخرى.
وإعادة الوضوء عند مس الفرج أثناء الغسل ترتبط بمسألة مهمة تتعلق بترتيب خطوات الغسل وفق السنة، حيث يُستحب أن يكون الوضوء بعد غسل الفرج، ثم تعميم الماء على سائر البدن، فمن حرص على هذا الترتيب والتزم بالكيفية الصحيحة، لم يقع في إشكال إعادة الوضوء ولم يحتج إلى تكراره. لذا كان من الأفضل لمن يغتسل أن ينتبه لهذه المسألة حتى يضمن اكتمال طهارته دون أن يضطر إلى إعادة أي خطوة من خطوات الغسل أو الوضوء.
فروض الغسل وأركانه الأساسية
الغسل عبادة يتوقف عليها رفع الحدث الأكبر، ولذلك كان لا بد من مراعاة أركانه الأساسية حتى يتحقق مقصوده على الوجه الصحيح، وأول ما ينبغي للمسلم العناية به عند الغسل هو النية، فهي ركن أساسي من أركان الطهارة الكبرى، إذ لا يصح الغسل بدونها، فالنية محلها القلب ولا يشترط التلفظ بها، بل يكفي أن يستحضر المسلم في قلبه أنه يغتسل لرفع الحدث الأكبر أو لاستباحة الصلاة، وبدون هذه النية لا يكون الغسل معتبرًا شرعًا، لأن الطهارة عمل تعبدي لا يصح إلا بالقصد.
بعد استحضار النية، يجب على المسلم تعميم الماء على جميع الجسد بحيث لا يبقى أي موضع من بدنه لم يصله الماء، لأن من شروط الغسل الصحيح أن يشمل كل عضو من أعضاء البدن، صغيرًا كان أو كبيرًا، ظاهرًا كان أو خفيًا. ولتحقيق هذا التعميم، يُسن للمغتسل أن يبدأ بسكب الماء على رأسه، ثم على جانبي بدنه، فيحرص على إيصال الماء إلى كل موضع حتى لا يبقى أي جزء جاف من بدنه.
ومن الأركان المهمة في الغسل الدلك، وهو فرك البدن باليد أثناء صب الماء، إذ يُعدّ هذا من تمام الطهارة في الفقه المالكي، حيث لا يكفي مجرد صب الماء دون إمرار اليد عليه، والحكمة من الدلك أنه يساعد في إزالة الأوساخ والعرق، ويضمن وصول الماء إلى جميع أجزاء الجسم، فيتحقق بذلك المقصود من الطهارة على أكمل وجه، كما يُطلب من المغتسل أن يُخلل شعره، سواء كان شعر الرأس أو اللحية، بأن يُدخل الماء بين خصلاته حتى يصل إلى أصوله، لأن ترك جزء من الشعر دون إيصال الماء إلى جذوره قد يؤدي إلى عدم اكتمال الغسل.
والموالاة في الغسل من الأمور التي ينبغي مراعاتها كذلك، ومعناها أن لا يقع فصل طويل بين أجزاء الغسل، بل يُكمل المغتسل طهارته دون انقطاع، لأن التفريق بين أفعال الغسل بوقت طويل قد يؤدي إلى بطلانه عند بعض الفقهاء، أما إذا وقع الفصل بوقت يسير فلا يؤثر ذلك على صحة الطهارة، خاصة إذا كان لحاجة، كإحضار الماء أو إزالة عائق يمنع وصوله إلى بعض الأعضاء، والمقصود من الموالاة أن يتم الغسل بصورة متتابعة حتى تتحقق الطهارة بشكل متكامل، وهذا أدعى لإتمام العبادة بطريقة صحيحة وموافقة للسنة.
موجبات الغسل وأسبابه
الغسل في الشريعة الإسلامية فريضة لا تصح العبادات إلا بها في بعض الحالات، وهو طهارة كبرى ترفع الحدث الأكبر وتعيد للمسلم أهليته لأداء العبادات التي يشترط فيها الطهارة، ومن أهم الأسباب التي توجب الغسل خروج المرأة من الحيض أو النفاس، فإن المرأة إذا طهرت منهما وجب عليها الاغتسال حتى تعود إلى حالتها العادية من الطهارة، فلا يحل لها أداء الصلاة ولا الصيام ولا الطواف ولا مس المصحف حتى تغتسل، لأن الحيض والنفاس من موانع العبادات التي تستلزم طهارة كبرى بعد انقطاع الدم، ووجوب الغسل في هذه الحالة لا خلاف فيه بين العلماء، وهو شرط لصحة العبادات التي تتوقف على الطهارة.
ومن موجبات الغسل أيضًا حصول الجنابة، وهي إما بسبب خروج المني يقظة أو منامًا أو بسبب العلاقة الزوجية، فيصبح الغسل في هذه الحالة فرضًا لا يجوز تركه، لأن الجنابة حدث أكبر لا يزول إلا بالغسل، فإذا أنزل الإنسان منيًا بشهوة فقد وجب عليه الاغتسال سواء كان ذلك عن طريق الاحتلام أو غيره، وهذا الحكم يشمل الرجال والنساء على السواء، لأن النصوص الشرعية جاءت عامة في ذلك، ومن ذلك حديث أم سلمة عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى ما يرى الرجل، فقال لها إن عليها الغسل إن هي أنزلت، فدل ذلك على أن خروج المني موجب للطهارة الكبرى.
أما المذي، وهو ماء رقيق لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو المداعبة، فإنه لا يوجب الغسل، ولكنه يوجب الوضوء فقط، لأنه نجس وناقض للطهارة الصغرى، لكن لا يلزم منه الغسل كحال المني، إذ إن الحكم يختلف بينهما في الشرع، لذلك وجب التفريق بين الحالتين.
ومن المسائل التي نص عليها الفقهاء أن مجرد دخول جزء من الذكر في الفرج دون إنزال يوجب الغسل، ولو لم يحصل خروج المني، وهذا الحكم ثابت بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل"، فدل ذلك على أن الإيلاج ولو لم يكن معه إنزال موجب للغسل، وهذا الحكم يشمل الزوجين معًا، فيجب الغسل على الرجل والمرأة إذا وقع الإيلاج، لأن ذلك من أسباب حصول الحدث الأكبر، ولا تصح الطهارة بعده إلا بالغسل الكامل.
أثر موجبات الغسل على بعض الأحكام الشرعية
موجبات الغسل لها أثر واضح على كثير من الأحكام الشرعية التي ترتبط بالطهارة والعبادات، ومن ذلك أن الحائض والنفساء لا يجوز لهما أداء الصلاة ولا الصيام حتى تطهرا وتغتسلا، لأن الطهارة شرط أساسي لصحة الصلاة، ولا تصح هذه العبادة إلا بعد رفع الحدث الأكبر بالغسل، ولذلك إذا طهرت المرأة وجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتعود إلى حالتها العادية من الطهارة، أما الصيام فإن المرأة تقضي الأيام التي أفطرتها بسبب الحيض أو النفاس ولا يجب عليها قضاء الصلاة، وهذا من تيسير الله على النساء ورحمة بهن، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن سبب قضاء الصيام دون الصلاة، فأجابت بأن ذلك كان يقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان يأمرهن بقضاء الصيام دون الصلاة.
ومن الأحكام المتعلقة بالغسل أن الجماع بين الزوجين محرم قبل أن تغتسل المرأة من الحيض أو النفاس، فلا يجوز للزوج أن يطأ زوجته حتى تتحقق من انقطاع الدم وتقوم بالاغتسال، لأن ذلك من الأحكام الشرعية التي وردت بها النصوص الصريحة، كما في قوله تعالى: "ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله"، فدل ذلك على أن مجرد انقطاع الدم لا يكفي لحل المعاشرة الزوجية، بل لا بد من الطهارة الكبرى، وإذا أقدم الزوج على الجماع قبل أن تغتسل المرأة كان ذلك محرمًا، وعليه التوبة والاستغفار، وقد أوجب بعض العلماء الكفارة على من وقع في ذلك، وإن كان الراجح أنه يجب التوبة فقط.
ومن المسائل التي تتعلق بالغسل أنه لا يجوز لمن كان على جنابة أو حيض أن يدخل المسجد، لأن ذلك منهي عنه في الشريعة، كما في قوله تعالى: "ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، فقد ورد في التفسير أن الجنب لا يجوز له المكث في المسجد إلا إذا كان مارًّا مرورًا فقط، ولا يجوز له الجلوس أو البقاء فيه، كما أن الحائض تأخذ نفس الحكم، فلا تدخل المسجد ولا تمكث فيه حتى تغتسل، وهذا الحكم ينبني على كون المسجد مكانًا للطهارة والعبادة، فلا يجوز لمن كان محدثًا حدثًا أكبر أن يبقى فيه إلا بعد الطهارة.
أما من نسي الاغتسال أو سها عنه، فإن حكمه يختلف حسب حالته، فإن كان ذلك عن غير عمد وتذكر بعد ذلك، وجب عليه أن يبادر إلى الغسل متى تذكر، لأن الغسل واجب ولا يسقط بالنسيان، أما إن كان قد صلى قبل أن يتذكر، فإن صلاته غير صحيحة ويلزمه أن يعيدها بعد الاغتسال، لأنه كان على غير طهارة، والطهارة شرط لصحة الصلاة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، مما يدل على أن الصلاة لا تصح إذا أداها الإنسان وهو على جنابة أو لم يغتسل من الحيض أو النفاس.
الفرق بين الغسل الكامل والغسل المجزئ
الغسل من الأمور التي جعلها الشرع وسيلة للطهارة من الحدث الأكبر، وقد جاء بصيغتين، إحداهما تقتصر على الحد الأدنى الذي تتحقق به الطهارة، والثانية تشتمل على هيئة أكمل مقتبسة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كان في حالة تستوجب الغسل، سواء بسبب الجنابة أو الحيض أو النفاس أو غير ذلك من موجباته، فإن أدنى ما يجب عليه ليصح غسله أن يعمم الماء على جميع جسده بنية رفع الحدث، بحيث لا يترك موضعًا من بدنه إلا وقد أصابه الماء، فإن فعل ذلك فقد ارتفع حدثه وصح غسله، وهذا يسمى الغسل المجزئ، وهو الذي يرفع الحدث ويجعل الإنسان مؤهلًا لأداء العبادات التي تتوقف على الطهارة كالصلاة والطواف.
أما الغسل الكامل فهو الذي يستحب للمسلم أن يأتي به اقتداءً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن يبدأ بغسل كفيه ثلاثًا لتنظيفهما مما قد يكون عالقًا بهما، ثم يغسل موضع الأذى إن وجد، وبعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، فيغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثًا حتى يصل الماء إلى أصول الشعر ويتخلله، ثم يعمم الماء على سائر جسده مبتدئًا بالشق الأيمن ثم الأيسر، مع الاعتناء بإيصال الماء إلى المواضع التي قد لا يصلها بسهولة مثل باطن الإبطين وما بين الأصابع وثنايا البدن، وإن كان شعره كثيفًا وجب تخليله بيديه ليتيقن من وصول الماء إلى جلده.
والفرق بين الغسل المجزئ والغسل الكامل أن الأول يكتفي بتحقيق الطهارة بأقل قدر من الأفعال، فهو يرفع الحدث ولكنه لا يشتمل على السنن التي جاءت في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم، أما الغسل الكامل فإنه يزيد على المجزئ بالوضوء قبله والتسمية وتقديم اليمنى على اليسرى والتثليث في صب الماء على الرأس، وغير ذلك مما وردت به الأحاديث، وهو الأكمل والأفضل لأنه أقرب إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن فيه زيادة في النظافة وإتمامًا للطهارة.
الأخطاء الشائعة في الغسل وتصحيحها
من الأخطاء التي قد يقع فيها بعض الناس أثناء الغسل أخطاء تتعلق بالنية، حيث يعتقد البعض أن النية يجب التلفظ بها بصوت مسموع، في حين أن الصحيح أن النية محلها القلب ولا يشترط التلفظ بها، بل يكفي أن يعزم الإنسان في نفسه على رفع الحدث الأكبر والاغتسال بنية الطهارة دون حاجة إلى النطق بها، ومن الأخطاء أيضًا أن يؤخر النية إلى أثناء الغسل أو بعد أن يكون قد بدأ في صب الماء على جسده، والأولى أن تكون النية مقارنة للغسل من أوله حتى يقع الفعل مطابقًا للمقصد الشرعي.
ومن الأخطاء كذلك ما يتعلق بتعميم الماء على البدن، فقد يظن البعض أن مجرد صب الماء على الرأس والكتفين يكفي، في حين أن الغسل لا يكون صحيحًا إلا بوصول الماء إلى جميع أعضاء الجسد، ولذلك يجب الانتباه إلى المواضع التي قد لا يصلها الماء بسهولة مثل الإبطين وما بين الأصابع والسرة وما تحت الشعر الكثيف، فمن لم يحرص على إيصال الماء إلى هذه الأماكن كان غسله ناقصًا ولم تكتمل طهارته، كما أن بعض الناس يكتفي بغسل الظاهر من الشعر دون تخليل الماء إلى أصوله، وهذا غير كافٍ، بل يجب إيصال الماء إلى البشرة خصوصًا في حال كان الشعر كثيفًا أو مجعدًا
وأيضًا من الأخطاء التي يقع فيها البعض في الغسل الإخلال بالترتيب والموالاة، حيث يبدأ بعض الناس بغسل أطرافهم قبل الرأس أو لا يحرصون على الترتيب بين أعضاء البدن، في حين أن السنة أن يبدأ بغسل الكفين ثم الفرج ثم الوضوء ثم تعميم الماء على البدن مبتدئًا بالرأس، مع الحرص على أن يكون الغسل متصلًا دون فواصل طويلة حتى تتحقق الموالاة، فلا يقطع غسله بانشغالات تؤدي إلى جفاف بعض الأعضاء قبل أن يكمل غسل باقي الجسد، ومن لم يراع ذلك فقد يكون غسله غير مكتمل ويحتاج إلى إعادته إن كان الحدث لا يزال باقيًا.
أسئلة التقويم مع الإجابة عنها ( أجب عن أسئلة التقويم قبل الاطلاع على الأجوبة )
أسئلة و أجوبة الفهم والاستيعاب
ما هو تعريف الغسل في اللغة والاصطلاح؟ الغسل في اللغة يعني سيلان الماء على الشيء لتنظيفه، ويطلق على إزالة الأوساخ بالماء، أما في الاصطلاح الشرعي، فهو تعميم الماء الطهور على جميع البدن بنية رفع الحدث الأكبر، سواء كان بسبب جنابة أو حيض أو نفاس أو غيرها من الأسباب التي توجب الغسل شرعًا.
لماذا يعد الغسل من الطهارة الكبرى؟ الغسل يُعد من الطهارة الكبرى لأنه يرفع الحدث الأكبر الذي يمنع العبد من أداء بعض العبادات، مثل الصلاة والطواف ومس المصحف، وهو عبادة شرعها الله لتطهير النفس والجسد، وهو شرط لصحة بعض الأعمال الشرعية.
ما العلاقة بين الغسل والصلاة؟ الصلاة لا تصح إلا بطهارة، والغسل من الطهارة الكبرى التي ترفع الحدث الأكبر، فكل من كان عليه غسل واجب، لا تصح صلاته حتى يغتسل، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة.
أسئلة وأجوبة حول الفرائض والأركان
ما هي فروض الغسل التي لا يصح إلا بها؟ وفق المذهب المالكي، فروض الغسل أربعة: - النية، وهي قصد رفع الحدث الأكبر أو أداء الغسل المشروع. - الفور، أي عدم الفصل الطويل بين أفعال الغسل. - تعميم الماء على جميع الجسد. - الدلك، وهو إيصال الماء إلى البشرة مع التدليك باليد أو ما يقوم مقامها.
ما حكم من لم يعمم الماء على جسده أثناء الغسل؟ إذا لم يعمم الماء على جميع بدنه، فغسله غير صحيح، لأن تعميم الماء من فروض الغسل، ويجب عليه إعادة الغسل مع التأكد من وصول الماء إلى جميع الأعضاء.
ما المقصود بالدلك في الغسل؟ ولماذا يعد شرطًا في المذهب المالكي؟ الدلك في الغسل هو تمرير اليد على الأعضاء أثناء سكب الماء لضمان وصوله إلى البشرة وإزالة أي أوساخ قد تمنع الماء من الوصول، وفي المذهب المالكي يعتبرالدلك واجبا لأن الماء قد لا يصل إلى بعض أجزاء البدن إلا بالدلك، ولأن ذلك هو الوارد في السنة النبوية.
ماذا تفعل المرأة إذا كان شعرها مضفورًا أثناء الغسل؟ إذا كان شعر المرأة مضفورًا، يكفيها أن تبلل جذور شعرها وتروي أصوله بالماء دون الحاجة إلى فك الضفائر، بشرط أن لا يكون الضفر محكمًا بحيث يمنع الماء من الوصول إلى الجذور.
أسئلة و أجوبة حول موجبات الغسل
متى يجب الغسل بعد الحيض والنفاس؟ يجب الغسل بعد الحيض والنفاس بمجرد انقطاع الدم ورؤية القَصَّة البيضاء أو الجفاف التام، ولا يجوز للمرأة أن تصلي أو تصوم قبل الاغتسال.
هل يجب الغسل بمجرد نزول المني أم هناك شروط أخرى؟ يجب الغسل إذا خرج المني بلذة سواء في اليقظة أو النوم، أما إذا خرج بدون شهوة كمرض أو تعب شديد، فلا يجب الغسل، بل يكفي الوضوء فقط.
ما حكم إدخال جزء من الذكر في الفرج دون إنزال؟ إذا غاب جزء من الذكر في الفرج، ولو دون إنزال المني، وجب الغسل على الزوجين، وهذا باتفاق الفقهاء، وهو الموجب الرابع للغسل كما ورد في الفقه المالكي.
أسئلة و أجوبة تطبيقية وحالات فقهية
شخص اغتسل لكن بعد الانتهاء وجد موضعًا لم يصله الماء، فماذا عليه أن يفعل؟ إذا كان الموضع صغيرًا ولم يمر عليه وقت طويل، يكفيه غسل ذلك الجزء فقط، أما إذا طال الفصل، فعليه إعادة الغسل من جديد.
إذا مسّ الإنسان فرجه أثناء الغسل، فهل يعيد الوضوء؟ ولماذا؟ إذا مس الفرج بيده مباشرة دون حائل، وكان بغير شهوة، فلا يجب عليه إعادة الوضوء في المذهب المالكي، أما إذا كان بشهوة، فعليه الوضوء بعد الغسل.
شخص كان عليه غسل جنابة لكنه نسي وتوضأ وصلى، فما حكم صلاته؟ إذا صلى وهو جنب ناسيًا، فصلاته باطلة، ويجب عليه إعادة الغسل ثم الصلاة، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة.
أسئلة و أجوبة حول الغسل الكامل والمجزئ
ما الفرق بين الغسل الكامل والغسل المجزئ؟ الغسل المجزئ هو الذي يقتصر على تعميم الماء على البدن بنية رفع الحدث، دون مراعاة السنن والمستحبات. أما الغسل الكامل فهو الذي يجمع بين الفروض والسنن، مثل المضمضة والاستنشاق وتقديم غسل اليدين والبدء بالميامن.
ما الخطوات الصحيحة للغسل وفق السنة؟ السنة في الغسل أن يبدأ المسلم بغسل يديه، ثم يغسل مواضع الأذى، ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا، ثم يعمم الماء على رأسه ثلاث مرات، ثم على جميع بدنه، مع الحرص على الدلك وتخليل الشعر، مع البدء بالأعلى إلى الأسفل وبجهة اليمين قبل اليسار.
هل يجزئ الغسل عن الوضوء؟ ولماذا؟ نعم، يجزئ الغسل عن الوضوء إذا نوى رفع الحدث الأكبر، لأن الغسل يشمل تعميم الماء على جميع الأعضاء التي يغسلها الوضوء، لكن إن أحدث أثناء الغسل، فعليه الوضوء بعده.
أسئلة و أجوبة في بعض الأخطاء الشائعة في الغسل
ما هي الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس أثناء الغسل؟ من الأخطاء الشائعة عدم تعميم الماء على جميع الجسد، أو عدم نية رفع الحدث، أو الفصل بين أجزاء الغسل، أو الإسراف في الماء.
ما حكم من لم ينو الغسل عند البدء به؟ إذا لم ينو رفع الحدث الأكبر عند بدء الغسل، فلا يصح غسله، لأنه فقد شرط النية الذي هو ركن أساسي في المذهب المالكي.
هل يجب الترتيب والموالاة في الغسل أم يمكن تأخير بعض أجزائه؟ في المذهب المالكي، لا يشترط الترتيب في الغسل، لكن يجب الفور والموالاة بين أفعاله، فلا يصح تأخير جزء من الغسل دون عذر شرعي.