أخر الاخبار

درس تعليمي 9: التيمم في الفقه المالكي: أسبابه وأحكامه وفق متن ابن عاشر

 درس تعليمي 9: التيمم في الفقه المالكي: أسبابه وأحكامه وفق متن ابن عاشر

درس تعليمي 9: التيمم في الفقه المالكي: أسبابه وأحكامه وفق متن ابن عاشر

الطهارة في الإسلام من الأسس الجوهرية التي لا تصح العبادات بدونها، فهي شرط لازم للصلاة وغيرها من العبادات التي تتطلب طهارة البدن والمكان، وقد جعلها الله تعالى مرتبطة بالماء باعتباره الوسيلة الأساسية للتطهر، ولكن قد يمر المسلم بحالات يعجز فيها عن استعمال الماء، إما لعدمه أو لخوف الضرر من استعماله، وهنا جاءت رحمة الله في تشريع التيمم، تيسيرًا على العباد وحفظًا لهم من المشقة والحرج، فالتيمم رخصة شرعية تتيح للمسلم أداء عباداته في حال تعذر الماء أو تعذر استعماله، ولكن ما هي الحالات التي تجيز التيمم؟ وهل يرفع الحدث كما يفعل الوضوء والغسل أم أنه مجرد إباحة للصلاة؟ وما هي صفته الصحيحة وفق ما جاء في الفقه المالكي؟ وما الفرق بين التيمم الذي يبيح الصلاة والتيمم الذي لا يكون جائزًا؟ ثم ما هي الأحكام المتعلقة به، كعدد الصلوات التي يجوز أداؤها بتيمم واحد، ومتى ينتهي أثره، وماذا يجب على من وجد الماء بعد أن صلى بالتيمم؟ هذه الإشكالات وغيرها تجعل من الضروري معرفة أحكام التيمم، فهمًا وتطبيقًا، حتى يتمكن المسلم من أداء عباداته على الوجه الصحيح في كل الأحوال، ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذا الموضوع والتفقه فيه حتى يكون المسلم على بينة من أمر دينه.

شرح الكلمات الصعبة في المتن

- عوض : استبدل، - الصعيد : ما ظهر على وجه الأرض من تراب ونحوه، - للراج: الذي يرجو وجود الماء، - آيس: الذي لا يرجو وجود الماء، - المتردد: الجاهل بوجود الماءوعدمه، أو الشاك فيهما، - حميد: محمود، - زَمِنِِ: هو المقعد الذي لا يستطيع المشي، مٌناولا: مساعدا يأتيه بالماء ويناوله إياه.

تعريف التيمم لغة واصطلاحا ودليل مشروعيته

التيمم في الإسلام هو إحدى الرخص الشرعية التي شرعها الله تيسيرًا على العباد، ورفعًا للحرج عنهم في أداء عباداتهم في حال تعذر استعمال الماء لسبب من الأسباب، فهو بديل عن الطهارة المائية عند فقدانها أو عدم القدرة على استعمالها. وقد عرّفه العلماء لغة: بأنه القصد، والتوجه نحو الشيء، قال تعالى في سورة البقرة الآية 266 ( ولا تيممموا الخبيث ) أي لا تقصدوه، وأما في الاصطلاح: فهو طهارة ترابية مشتملة على مسح الوجه واليدين بالصعيد الطاهر بنية الطهارة، واستباحة ما منعه الحدث عند تعذر استعمال الماء، وهو بذلك يمثل نموذجًا من نماذج التيسير في الشريعة الإسلامية التي جاءت برفع المشقة وتحقيق مقاصد الدين من غير تعسير.

والحكمة من مشروعية التيمم تتمثل في التخفيف عن العباد والتوسعة عليهم، فالإسلام دين الرحمة والرفق ولم يكلف الإنسان فوق طاقته، فلو أن الطهارة بالماء كانت شرطًا لازمًا في كل الأحوال دون استثناء لشقّ ذلك على كثير من الناس، ولبطلت عباداتهم عند فقد الماء أو تعذر استعماله، فكان من رحمة الله أن جعل التيمم بديلا شرعيًا يحقق مقصود الطهارة من غير عنت، وهو بذلك يرسّخ أحد المبادئ العظيمة في الشريعة الإسلامية وهو التيسير ورفع الحرج، كما أن فيه تربية للنفوس على الامتثال والطاعة، فحتى مع وجود الرخصة فالمسلم يظل محافظًا على طهارته بأيسر السبل المتاحة له.

وقد ثبتت مشروعية التيمم في القرآن الكريم والسنة النبوية، فأما القرآن فقد ورد في قوله تعالى: في سورة المائدة، الآية 6 (وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) وهذا نص صريح، يدل على أن التيمم هو البديل الشرعي عند فقدان الماء أو العجز عن استعماله، وقد جاءت السنة النبوية كذلك مؤكدة لهذا الحكم، فقد روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي وذكر منها (... وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ)، و قال صلى الله عليه وسلم: (... جُعِلَت لَنا الأرضُ كلُّها مَسْجِدًا وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لَنا طَهورًا )، وهذا يدل على أن الأرض الطاهرة صالحة لأن تكون وسيلة للطهارة عند عدم وجود الماء، كما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم عملوا بهذه الرخصة في أسفارهم ومواقفهم التي لم يجدوا فيها الماء، مما يدل على انتشار هذا الحكم ووضوحه في حياة المسلمين الأوائل.

أسباب التيمم ومتى يشرع

يشرع التيمم عند تعذر استعمال الماء لسببين رئيسيين: وهما عدم وجود الماء، والخوف من الضرر عند استعماله، وقد راعى الإسلام في تشريعه للتيمم حاجة الإنسان وتيسير العبادة عليه حتى لا يكون في حرج أو مشقة، ولذلك كان التيمم بديلا مشروعا عن الطهارة بالماء متى ثبت العذر المانع من استعماله.

يدخل في الخوف من الضرر عند استعمال الماء، كل حالة تؤدي إلى إلحاق الأذى بالإنسان سواء كان ذلك ضررا محققا أو غالب الظن، فمن هذه الحالات: أن يخشى الإنسان حدوث مرض له إذا استعمل الماء البارد مثلا في جو شديد البرودة ولم يجد وسيلة لتسخينه، أو أن يكون مريضا بالفعل ويعلم أن استعمال الماء قد يزيد مرضه أو يؤخر شفاؤه، وهذا مما أثبته الطب وأقره الفقهاء ولذلك أبيح له التيمم حتى يحافظ على صحته.

ومن الحالات التي يجوز فيها التيمم، خوف الإنسان من العطش الشديد أو حتى الموت عطشا، سواء كان ذلك يتعلق بنفسه أو بمن يعوله، فقد يكون في سفر وليس لديه من الماء إلا ما يكفي لشربه وبقائه حيا، فإن استعمله في الطهارة عرّض نفسه أو من معه للهلاك، وهنا يكون حفظ النفس مقدما على استعمال الماء للطهارة لأن الإسلام جاء لحفظ الضرورات الخمس ومنها حفظ النفس.

كما يدخل في الخوف من الضرر عند استعمال الماء، حالة الشخص الذي يخشى على نفسه أو ماله من قطاع الطرق واللصوص، فقد يكون في طريق سفر أو في مكان موحش ولو ذهب للبحث عن الماء لعرّض نفسه للخطر، أو كان الماء في موضع بعيد عنه ويخشى أن يهجم عليه أحد في غيابه، فيجوز له حينئذ التيمم لأن الضرر في هذه الحالة قائم والشرع يرفع المشقة والحرج عن المكلفين.

أما بالنسبة لمن يعد من فاقدي الماء، فيشمل ذلك المريض الذي لا يقدر على استعماله إما لعجزه عن الحركة، أو لخوفه من تدهور حالته الصحية، أو لأنه لا يستطيع الوصول إليه ولا يجد من يناوله إياه، فهذا معذور شرعا فيترك الطهارة بالماء ويتيمم ما دام عاجزا.

كما يشمل ذلك الصحيح القادر الذي لا يجد الماء أصلا، أو لم يجد وسيلة لحمله أو رفعه من بئر مثلا، أو لم يجد ما يكفيه لطهارته سواء كان في سفر أو في مكان ناء لا ماء فيه، فإن هذا يعتبر فاقدا للماء وحكمه التيمم حتى يجد ما يكفيه.

ويضاف إلى هؤلاء من خاف خروج وقت الصلاة إن انشغل بالبحث عن الماء أو استعماله، فيتيمم ويصلي حرصا على أداء الصلاة في وقتها، لأن الوقت في حقه صار ضيقا ولو اشتغل بالوضوء لفاتت الصلاة، وهذا مما رخص فيه الشرع رفعا للحرج

من يجوز له التيمم وما يفعل به

التيمم رخصة شرعية أباحها الله لعباده في حالات مخصوصة رحمة بهم وتخفيفًا عنهم، حيث يجوز للمسافر والمريض أن يتيمما لأداء صلاة النفل استقلالًا دون أن يكون ذلك تابعًا لصلاة الفرض، فالمسافر قد يكون في طريقه ولا يجد الماء الكافي أو قد يكون مريضًا ولا يستطيع استعمال الماء خشية تفاقم مرضه أو تأخر شفائه، وحينئذ يجوز له التيمم لأداء النوافل من غير اشتراط أن يكون ذلك بعد فرض معين لأن التيمم في هذه الحالة شرع تيسيرًا عليه في عبادته.

أما الحاضر الصحيح الذي لا يجد الماء فلا يجوز له أن يتيمم للنفل استقلالًا، بل يكون تيممه تبعًا لصلاة الفرض فقط، فلو أراد صلاة النافلة وحدها دون فرض لم يجز له التيمم، لأن الأصل في الطهارة وجود الماء وهو قادر على البحث عنه أو انتظاره إن لم يفت وقت الفريضة.

ولا يجوز لمن تيمم أن يصلي بالتيمم أكثر من فرض واحد، فمن تيمم لصلاة الظهر مثلًا لا يصلي به العصر بل عليه أن يعيد التيمم من جديد، لأن التيمم لا يرفع الحدث كما يرفعه الماء وإنما هو طهارة مؤقتة تبيح الصلاة فقط، ولذلك فإن من صلى فرضين بتيمم واحد بطلت صلاته وكان عليه الإعادة.

ويجوز للمسافر والمريض والحاضر العادم للماء أن يتيمم لأداء الفروض باستثناء صلاة الجمعة، فلا يصح أداؤها بالتيمم للحاضر الصحيح، لأن صلاة الجمعة إن فاتت لم يفت وقت الظهر وهو الأصل، ولذلك وجب عليه الانتظار حتى يجد الماء ويتوضأ لصلاة الظهر بدل الجمعة كما نص على ذلك أهل العلم.

ولا يجوز لمن تيمم لصلاة الفرض أن يصلي به سنة ذلك الفرض سواء كانت قبله أو بعده، إلا إذا اتصلت به مباشرة فإن تيمم للظهر وصلى الفريضة ثم أراد أن يصلي السنة بعدها منفصلة لم يصح، أما إن صلاها متصلة بالفرض دون فاصل طويل فيجوز ذلك لأن السنة في هذه الحالة تكون تبعًا للفريضة.

كما يجوز لمن تيمم لأداء الفرض أن يصلي به صلاة الجنازة إن كانت متصلة بالفرض، ولم تكن متعينة عليه، فإن كانت صلاة الجنازة قد وجبت عليه بعينه، كأن كان ولي الميت، فلا يجوز له أداؤها بذلك التيمم، أما إن لم يكن متعينًا عليه جاز له أن يصليها بنفس التيمم.

وبالنسبة لصلاة النافلة فإن من تيمم لها يجوز له أن يصلي بها ما شاء من نوافل سواء قدم النافلة التي تيمم لها أو أخرها، لأنها لا تأخذ حكم الفرض في اشتراط تيمم جديد لكل صلاة، بل يكفيه تيمم واحد لأداء النوافل ما دام لم ينتقض تيممه.

فرائض التيمم

فرائض التيمم مجموعة من الأركان التي لا يصح التيمم إلا بها، وهي الأساس الذي يقوم عليه هذا الطهور البديل عن الوضوء أو الغسل عند تعذر استعمال الماء، وعددها ثمانية: وأول هذه الفرائض مسح الوجه حيث يجب تمرير اليدين على جميع ظاهر الوجه، غير أن التيمم مبني على التخفيف فلا يتطلب تتبع غضون الوجه وتجاويفه كما هو الحال في الوضوء وإنما يكفي المسح الظاهري دون مبالغة في الدلك.

ومن الفرائض كذلك مسح اليدين إلى حدود الكوعين، حيث يجب أن يمرر المتيمم يديه على هذه المنطقة مع التأكد من إيصال التراب إلى مواضع المسح كاملة، ويستحب له عند المسح أن ينزع خاتمه أو أي شيء قد يمنع وصول الصعيد إلى البشرة كما يخلل أصابعه لضمان تعميم المسح على اليدين بشكل كامل.

ولا بد عند التيمم من النية فهي شرط أساسي ومحلها القلب، ولا يصح التلفظ بها لأن النية عمل قلبي، والمقصود منها هو استباحة الصلاة وليس رفع الحدث، فالمتيمم سواء كان محدثًا حدثًا أصغر أو كان جنبًا فإن نيته تكون فقط لاستباحة الصلاة لا لرفع الحدث عن بدنه، فمن كان عليه جنابة ولم ينو التيمم عنها بل نوى فقط التيمم عن الحدث الأصغر لم يجزه ذلك، وكان عليه إعادة التيمم بنية تشمل جميع ما عليه من أحداث.

ومن الفرائض أيضًا الضربة الأولى فوق الصعيد، حيث يجب أن يضع المتيمم يديه على سطح الصعيد الطاهر وهو ما ظهر على وجه الأرض مما يصلح للتيمم كالتراب أو الرمل أو الحجر غير المتنجس، ثم ينفض يديه نفضًا خفيفًا حتى لا يكون عليهما كثرة تراب.

وكذلك من أركان التيمم الموالاة بحيث يجب أن يؤدي المتيمم خطوات التيمم متتابعة دون فاصل طويل، فلا يجوز له أن يمسح وجهه ثم ينشغل بأمر آخر ثم يعود لمسح يديه، بل ينبغي أن يكون ذلك متتابعًا لأن التيمم عبادة مبنية على الاتصال والترابط.

ولا يكون التيمم صحيحًا إلا إذا كان بصعيد طاهر أي بمادة من جنس الأرض غير متنجسة، فلو كان الصعيد الذي يتيمم به المتيمم متسخًا أو عليه نجاسة لم يصح تيممه بذلك، بل يجب أن يكون ترابًا طاهرًا أو ما شابهه مما يصح التيمم به.

ومن الشروط المهمة أيضًا اتصال الصلاة بالتيمم بحيث يجب أن يؤدي الصلاة فور تيممه من غير أن يفصل بينهما بفاصل طويل، فلا يصح له أن يتيمم ثم يؤخر الصلاة حتى ينشغل بعمل آخر طويل، لأنه بذلك يكون قد فصل بين التيمم والصلاة بما يقطع استباحته لها، كما أن التيمم لا يصح أن يستعمل في أكثر من فريضة فلا يجوز للمتيمم أن يصلي بتيمم واحد فرضين متتابعين لأن التيمم إنما يرفع الحدث مؤقتًا ويبيح الصلاة الواحدة فقط.

وأخيرًا لا يكون التيمم صحيحًا إلا إذا وقع بعد دخول وقت الصلاة، فلا يجوز للمتيمم أن يتيمم قبل الوقت لأنه في هذه الحالة يكون قد تيمم قبل الحاجة فلا يصح تيممه بذلك، ويجب عليه الانتظار حتى يدخل الوقت ليؤدي التيمم بعد تحقق سببه.

أقسام المتيممين حسب وقت التيمم

وقت التيمم بالنسبة للصلاة يختلف بحسب حال المتيمم ومدى إمكانية حصوله على الماء خلال الوقت المحدد لكل صلاة، فمنهم من يتيمم في أول الوقت، ومنهم من ينتظر إلى وسطه، ومنهم من لا يتيمم إلا في آخره، ولكل فئة من هؤلاء المتيممين حكم خاص بحسب حالها.

أما الذين يتيممون في أول الوقت، فهم الذين يتيقنون أو يغلب على ظنهم أنهم لن يجدوا الماء حتى نهاية الوقت، فهؤلاء لا يلزمهم تأخير الصلاة انتظارًا للماء، بل يشرع لهم التيمم مباشرة بعد دخول الوقت وأداء الصلاة من غير انتظار، وهؤلاء يسمون الآيسين أي الذين لا يرجون حصول الماء، ومن أمثلتهم من كان في صحراء نائية أو مكان معزول لا مورد فيه للماء ولم يكن لديه وسيلة للوصول إلى الماء، كما يدخل في هذا الحكم المريض الذي لا يستطيع لمس الماء وكان مرضه من النوع الذي لا يُرتجى معه الشفاء القريب، فمثل هذا في حكم الآيس من الماء فلا يلزمه الانتظار بل له أن يتيمم في أول الوقت المختار.

أما من يتيممون في وسط الوقت، فهم الذين ليس لديهم يقين بعدم الحصول على الماء ولكنهم أيضًا ليس لديهم يقين بوجوده، فهم مترددون بين الأمرين فقد يجدونه وقد لا يجدونه، فيكونون في حالة من الشك والتردد، ومثل هؤلاء يلزمهم الانتظار فترة من الوقت في بداية الوقت لعله يتيسر لهم الوصول إلى الماء، فإن لم يجدوه بعد مدة مناسبة ولم تظهر بوادر لوصوله فإنهم يتيممون ويصلون، ومن أمثلة هؤلاء من كان في سفر وكان يظن أنه قد يجد بئرًا أو عين ماء في طريقه لكنه غير متأكد من ذلك، وكذا من كان في مكان يخشى فيه على نفسه من السباع أو قطاع الطرق بحيث لو خرج للبحث عن الماء عرّض نفسه للخطر فهذا أيضًا يندرج تحت هذه الفئة، كما أن المريض الذي لا يستطيع الحركة بنفسه ولا يجد من يناوله الماء، وليس لديه يقين بعدم مجيء أحد لمساعدته، يعتبر مترددًا بين حصول الماء وعدمه فينتظر بعض الوقت ثم يتيمم إن لم يجد من يساعده.

أما الذين يتيممون في آخر الوقت، فهم الذين عندهم يقين بوجود الماء لكنهم يظنون أن حصولهم عليه سيتأخر قليلاً، فهؤلاء يلزمهم الانتظار إلى أقصى وقت الصلاة لعله يتيسر لهم استعمال الماء، فإن لم يجدوه قبل خروج الوقت فإنهم يتيممون حينئذ ويصلون مباشرة قبل أن يفوتهم وقت الصلاة، ومن أمثلتهم من كان يعلم بوجود بئر أو عين ماء قريبة لكنه لا يستطيع الوصول إليها إلا بعد مدة معينة، أو كان ينتظر وصول قافلة تحمل الماء لكنه غير متأكد من موعد وصولها، فمثل هذا عليه تأخير الصلاة إلى آخر الوقت المختار، فإن لم يحصل على الماء تيمم وصلى قبل خروج الوقت الضروري.

سنن التيمم ومستحباته

من السنن التي يُستحب للمسلم مراعاتها عند أداء التيمم في الفقه المالكي مسح اليدين من الكوعين إلى المرفقين، وهو أمر مستحب وإن كان غير واجب لأن الأصل في التيمم هو التخفيف عن المكلف، ورغم أن الفرض يقتصر على المسح إلى الكوعين فإن إتمام المسح إلى المرفقين هو الأكمل والأفضل خروجًا من الخلاف، وتحقيقًا لمزيد من الطهارة، وقد ورد عن الإمام مالك أنه كان يستحب ذلك استنادًا إلى عمل أهل المدينة وما نُقل عن بعض السلف من تعميم المسح إلى المرفقين.

أما الضربة الثانية فهي سنة أخرى من سنن التيمم، حيث يُسن للمسلم أن يضرب بيديه على الصعيد الطاهر مرتين الأولى لمسح الوجه والثانية لمسح اليدين، وقد سئل الإمام مالك عن صفة التيمم فأجاب بأن المشروع فيه هو ضربة للوجه وضربة لليدين ومسحهما إلى المرفقين، وهذا يدل على أن التيمم لا يقتصر على ضربة واحدة كما يراه البعض بل إن الأفضل اتباع هذه السنة لما فيها من زيادة العناية بالطهارة، ولما ورد من آثار تدل على أن هذا هو الأكمل والأكثر احتياطًا.

أما الترتيب فهو من السنن المؤكدة في التيمم حيث يُقدم فيه مسح الوجه على مسح اليدين كما هو الحال في الوضوء، وهذا الترتيب مستحب وليس شرطًا بحيث لو قدَّم مسح اليدين على مسح الوجه وصلى فإن صلاته صحيحة، ولا تلزمه الإعادة، ولكن مع ذلك فإن اتباع السنة هو الأفضل والأكمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تيمم بدأ بوجهه ثم يديه، فينبغي للمسلم أن يحرص على هذا الترتيب مراعيًا في ذلك الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويستحب للمسلم عند التيمم أن يبدأ بتسمية الله تعالى، فيقول بسم الله في أول التيمم كما يفعل عند الوضوء، فالتسمية من الأدعية التي تُستحب في بداية العبادات لما فيها من استحضار النية وتعظيم اسم الله جل وعلا، وهي وإن لم تكن شرطًا في صحة التيمم، إلا أنها تزيد الطهارة كمالًا وتضفي عليها روحًا من التوجه إلى الله عز وجل.

أما الصفة المستحبة للتيمم فهي الطريقة التي يكون بها التيمم على أكمل وجه وقد أشار إليها ابن عاشر رحمه الله في نظمه بقوله (وصف حميد)، وهو ما ذكره الإمام ابن أبي زيد القيرواني في رسالته حيث وصف التيمم المستحب بأنه يبدأ بضرب اليدين على الأرض الطاهرة، ثم إذا علق بهما شيء من التراب نفضهما نفضًا خفيفًا، حتى لا يكون على اليدين ما يعيق المسح، ثم بعد ذلك يمسح وجهه كله مسحًا شاملًا، بحيث لا يترك منه شيئًا، ثم يضرب يديه على الأرض مرة أخرى ليبدأ مسح اليدين، فيبدأ بمسح اليد اليمنى مستخدمًا اليد اليسرى حيث يضع أصابع يده اليسرى ما عدا الإبهام على أطراف أصابع يده اليمنى ما عدا الإبهام أيضًا، ثم يمرر أصابعه على ظاهر اليد والذراع مع ثني الأصابع قليلًا حتى يصل إلى المرفق، ثم يضع كفه اليسرى على باطن ذراعه اليمنى من عند المرفق قابضًا عليها حتى يصل إلى الكوع، وبعد ذلك يمرر باطن إبهامه على ظاهر إبهام يده اليمنى حتى يتم المسح الكامل لها. بعد إتمام اليد اليمنى ينتقل إلى مسح اليسرى بنفس الطريقة فيمسح ظاهرها وباطنها إلى أن يصل إلى الكوع، ثم يمر كفه اليمنى على كفه اليسرى من الكوع إلى أطراف الأصابع، وبهذه الصفة يكون التيمم قد اكتمل على الوجه المستحب وهو الهيئة الأكمل التي كان يحرص عليها أهل العلم، حيث تحقق هذه الكيفية الترتيب في المسح وتحقيق الطهارة المطلوبة بأحسن صورة.

نواقض التيمم

كل ما يعتبر من نواقض الوضوء يعد أيضًا ناقضًا للتيمم، لأن التيمم بدل عن الوضوء فيأخذ أحكامه فيما يبطله من الأحداث التي ترفع الطهارة سواء كان ذلك حدثًا أصغر كالبول والغائط أو حدثًا أكبر كالجنابة والحيض والنفاس، إلا أن التيمم يختلف عن الوضوء في أمر زائد وهو أن وجود الماء بعد التيمم يعد ناقضًا له في بعض الحالات، فإذا تيمم العبد ثم وجد الماء قبل أن يشرع في الصلاة بطل تيممه، ووجب عليه أن يستعمل الماء، لأن العذر الذي أجاز له التيمم قد زال وأصبح بإمكانه الطهارة بالماء التي هي الأصل في الطهارة.

أما إذا خشي الإنسان أن يفوته وقت الصلاة ولم يجد الماء فله أن يتمادى في صلاته بعد التيمم ولا يقطعها، لأن التيمم شرع لرفع الحرج، فإذا لم يتيسر له الماء ولم يكن لديه وقت كافٍ للبحث عنه فلا حرج عليه في أن يصلي بالتيمم وتكون صلاته صحيحة.

وإذا كان الماء موجودًا عنده لكنه نسيه وتذكره وهو في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه قطع الصلاة، لأن التيمم في هذه الحالة لم يكن جائزًا في حقه لوجود الماء معه ولكنه نسيه، فإذا تذكره أثناء الصلاة لزمه إيقافها والوضوء بالماء ثم إعادة الصلاة من جديد لأن التيمم حينئذ لم يكن مبررًا شرعًا.

أما إذا كان الشخص في الصلاة وتفاجأ بأحد يدخل عليه ويخبره بوجود الماء أو يراه بعينه ولكنه كان قد شرع في الصلاة فإن صلاته صحيحة، ولا تلزمه الإعادة لأنه دخل فيها على طهارة معتبرة ولم يكن متعمدًا ترك الماء، وإنما طرأ عليه العلم بوجوده أثناء الصلاة وليس قبلها.

أما إذا انتهى من صلاته ثم وجد الماء بعدها فإن صلاته تظل صحيحة، ولا يبطل تيممه ولا تلزمه الإعادة، لأن العبرة بوقت أداء الصلاة وليس بما يحدث بعد الانتهاء منها، فالتيمم في هذه الحالة أدى دوره المشروع في رفع الحدث وأجزأ عن الوضوء فلا إعادة عليه.

من يعيد الصلاة من المتيممين

من المتيممين من يندب لهم إعادة الصلاة إذا وجدوا الماء بعد أن صلوا بالتيمم وكان لا يزال في الوقت متسع، وذلك لما وقع منهم من تقصير في تحصيل الماء قبل الشروع في التيمم والصلاة، فمن هؤلاء من صلى بالتيمم ثم وجد الماء قبل خروج الوقت فإن هذا يندب له أن يعيد صلاته، لأن وجود الماء قد تحقق داخل الوقت الذي كان يمكنه فيه إعادة الطهارة بالماء الذي هو الأصل في الطهارة، وكذلك من كان خائفًا من اللصوص أو السباع فصلى بالتيمم لعدم تمكنه من استعمال الماء لكنه وجد الماء قبل خروج وقت الصلاة المختار، فإن هذا يندب له الإعادة لأنه تمكن من استعمال الماء قبل خروج الوقت.

وكذلك الزَّمِن الذي لا يقدر على الحركة بنفسه، لكنه قادر على استعمال الماء لو وجده ولم يكن لديه من يناوله إياه فتيمم وصلى، ثم وجد من يناوله الماء قبل خروج الوقت، فإن هذا يندب له إعادة الصلاة لأنه كان بإمكانه الانتظار حتى يجد من يساعده، فكان التيمم في حقه ليس هو الخيار الأفضل بل كان عليه السعي في تحصيل الماء بقدر الإمكان، ومثله أيضًا الراجي لوجود الماء الذي يقدم التيمم على آخر الوقت ثم يصلي ثم يجد الماء، فإنه يندب له الإعادة لأن الشرع أمره بتأخير التيمم إلى آخر الوقت لكنه استعجل في الصلاة وكان يمكنه الانتظار.

أما من كان موقنًا بوجود الماء ولكنه مع ذلك تعجل في التيمم والصلاة ثم وجد الماء بعد ذلك فإنه يندب له إعادة الصلاة لأنه أولى من غيره في وجوب انتظار الماء وعدم التعجل في التيمم، لأنه كان يعلم يقينًا أن الماء سيصل إليه أو أنه قريب منه لكنه مع ذلك لم يصبر.

ومثل هؤلاء أيضًا من وجد الماء قريبًا منه بعد أن كان قد صلى بالتيمم، ولم يتحر البحث عنه بشكل كافٍ، وكذلك من كان الماء في متاعه لكنه نسيه ولم يتذكره إلا بعد أن صلى فإنه يندب له الإعادة، لأن النسيان هنا كان بسبب تقصيره في التذكر والبحث. ومن تردد في لحوق الماء وظن أنه بعيد عنه لكنه كان في متاعه ولم يتذكره إلا بعد الصلاة فإنه في حكم من قصر في طلب الماء فيندب له الإعادة كذلك.

أما من فقد متاعه الذي فيه الماء بين أمتعته لكنه بالغ في البحث عنه، فلم يجده ثم اضطر إلى التيمم وصلى ثم وجده بعد الصلاة، فإنه لا تلزمه الإعادة لا في الوقت ولا بعده، لأنه لم يكن مقصرًا في البحث والتحري بل بذل جهده لكنه لم يجد الماء إلا بعد الصلاة، فكانت صلاته حينئذ صحيحة ولا يطالب بإعادتها.

القيم المستنبطة من أحكام التيمم

أحكام التيمم تحمل في طياتها قيمًا عظيمة تعكس جوهر التشريع الإسلامي في التيسير والعدل والرحمة، فالتيمم شرع تيسيرًا على العباد ودفعًا للمشقة عنهم، وهذا يدل على قيمة التيسير ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية فلا يكلف الإنسان فوق طاقته، بل جاءت الأحكام مراعية لحالاته المختلفة، فالذي لا يجد الماء والذي يخشى الضرر عند استعماله والذي لا يستطيع الوصول إليه، كلهم لم يحرموا من أداء عبادتهم بل جعل الله لهم بديلًا رحيمًا يحقق لهم الطهارة التي هي شرط في الصلاة.

كما يظهر من أحكام التيمم قيمة المسؤولية الشخصية في البحث عن الماء والاجتهاد في تحصيله قبل اللجوء إلى التيمم، فالمسلم مأمور بأن يتحرى ويجتهد ولا يلجأ إلى الرخصة إلا عند تعذر الأصل، وهذا يعزز في الإنسان الإحساس بالمسؤولية في اتخاذ القرارات الشرعية ويمنعه من التهاون في العبادات.

ومن القيم المستنبطة أيضًا قيمة العدل والإنصاف حيث ميزت الأحكام بين من تيمم بعذر حقيقي، وبين من كان مفرطًا في البحث عن الماء، فجعلت الإعادة في حق من قصر في الطلب دون من اجتهد وبذل وسعه لكنه لم يجد الماء في وقته، وهذا يدل على دقة التشريع في مراعاة الفروق بين الناس وعدم مساواة المفرط بالمجتهد.

ومن القيم كذلك قيمة النظام والانضباط في أداء العبادات، حيث اشترطت الأحكام اتصال الصلاة بالتيمم وعدم الفصل بينهما بوقت طويل، مما يعلم المسلم أهمية الترتيب والتنظيم في عبادته وسلوكياته، كما أن تحديد وقت التيمم لكل شخص حسب حالته سواء كان آيسًا من الماء، أو راجيًا له، يدل على أن الإسلام يراعي ترتيب الأولويات ويحث المسلم على اختيار الفعل المناسب لحاله.

كذلك نجد في أحكام التيمم قيمة حسن الظن بالله والتوكل عليه، فمن غلب على ظنه عدم وجود الماء تيمم وصلى مطمئنًا، لأن الله لا يكلفه إلا وسعه، كما أن من وجد الماء بعد الصلاة لا يطالب بالإعادة إذا لم يكن مفرطًا، مما يرسخ في النفس الشعور بالطمأنينة والثقة في رحمة الله، وعدم القلق مما هو خارج عن استطاعة الإنسان.

وهكذا نجد أن التيمم ليس مجرد رخصة شرعية بل هو باب من أبواب القيم الإسلامية، التي تدعو إلى التيسير والانضباط وتحمل المسؤولية وحسن التوكل على الله.

أسئلة التقويم

- ما معنى التيمم لغة واصطلاحا من خلال ما تقدم وما الدليل على مشروعيته؟
- ما الحالات التي يشرع فيها التيمم، وما الفرق بين عدم وجود الماء والخوف من استعماله؟
- ما الفرق بين التيمم للفرض والتيمم للنفل، وهل يجوز للمسافر أن يتيمم لصلاة النافلة استقلالًا؟
- ما هي فرائض التيمم كما قررها فقهاء المذهب المالكي، ولماذا اشترطوا دخول وقت الصلاة لصحة التيمم؟
- ما حكم من تيمم وصلى ثم وجد الماء قبل الصلاة أو أثناءها أو بعدها، وهل يختلف الحكم بحسب حالته؟
- كيف يختلف وقت التيمم بين الآيس من وجود الماء والمتردد والراجي، وما الحكمة من هذا التمييز؟
- ما هي سنن التيمم، ولماذا يستحب مسح اليدين إلى المرفقين على الرغم من أن الفرض ينتهي عند الكوعين؟
- ما هي المستحبات في التيمم، وكيف تؤثر صفة التيمم الصحيحة على كمال العبادة؟
- لماذا اشترط الفقهاء اتصال الصلاة بالتيمم، وما حكم من تيمم وتأخر عن أداء الصلاة بغير عذر؟
- ما نواقض التيمم، وكيف يزيد التيمم بناقض عن نواقض الوضوء؟
- ما القيم الأخلاقية والتربوية التي يمكن استخلاصها من أحكام التيمم، وكيف تعكس هذه الأحكام يسر الإسلام ورحمته؟

إجابات أسئلة التقويم:

التيمم في اللغة مأخوذ من الفعل "تيمم"، أي قصد شيئًا وعمد إليه. يقال: تيممتُ الشيءَ، أي قصدته واتجهت نحوه. ومن ذلك قوله تعالى: "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" (البقرة: 267)، أي لا تقصدوا الرديء من المال عند الإنفاق. أما في الاصطلاح الشرعي، فالتيمم هو قصد الصعيد الطاهر لمسح الوجه واليدين بنية الطهارة عند فقدان الماء أو العجز عن استعماله، وهو بديل عن الطهارة المائية في الحالات التي تقتضي ذلك.

وشرع التيمم في الإسلام تخفيفًا وتيسيرًا على العباد عند تعذر استعمال الماء، ودليله من القرآن الكريم قوله تعالى:"وَإِن كُنتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمْسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ" (المائدة: 6). وفي السنة النبوية، جاء عن النبي ﷺ أنه قال: "جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" (رواه البخاري ومسلم)، وهذا يدل على أن التيمم مشروع عند فقدان الماء أو تعذر استعماله. وقد أجمع العلماء على مشروعية التيمم عند الحاجة، سواء بسبب عدم وجود الماء، أو الخوف من الضرر عند استعماله، مما يدل على أن هذه العبادة جاءت تخفيفًا ورحمةً بالأمة.

يشرع التيمم في حالتين، إما لعدم وجود الماء، وإما للخوف من استعماله بسبب الضرر. عدم وجود الماء يشمل فقدانه نهائيًا أو العجز عن الوصول إليه، مثل المريض الذي لا يجد من يناوله الماء. أما الخوف من استعمال الماء، فيشمل الحالات التي يؤدي فيها استخدامه إلى تفاقم المرض، أو تأخر الشفاء، أو هلاك النفس بسبب العطش الشديد إذا استُعمل الماء في الطهارة بدل الشرب.

- يجوز للمسافر أن يتيمم لصلاة النافلة استقلالًا دون الحاجة إلى ارتباطها بفرض، أما الحاضر الصحيح العادم للماء فلا يجوز له أن يتيمم للنفل إلا تبعًا للفرض، بمعنى أنه لا يتيمم لصلاة نافلة منفصلة، وإنما يجوز له أن يصلي النافلة بالتيمم بعد أدائه الفرض مباشرة.

- فرائض التيمم في المذهب المالكي ثمانية، وهي: النية، ومسح الوجه، ومسح اليدين إلى الكوعين، والموالاة بين أجزاء التيمم، وضربة الصعيد الطاهر، واتصال الصلاة به، ودخول وقت الصلاة، وعدم وجود الماء أو العجز عن استعماله. واشترط الفقهاء دخول الوقت لصحة التيمم لأنه بدل عن الماء، فلا يُصار إليه إلا عند تحقق الحاجة الفعلية إليه.

- من تيمم وصلى ثم وجد الماء قبل الصلاة، بطل تيممه ووجب عليه الوضوء أو الغسل. أما إن وجده أثناء الصلاة، فله أن يتمها ولا يقطعها، إلا إذا كان قد نسي الماء في رحله ووجده خلال الصلاة، فيجب عليه القطع. أما إن وجده بعد الفراغ من الصلاة، فلا يعيد صلاته، لأن التيمم كان صحيحًا حين أدائها.

- وقت التيمم يختلف حسب حال الشخص، فالآيس من الماء يتيمم أول الوقت، لأنه لا يرجو وجود الماء، فيُشرع له المبادرة بالصلاة. أما المتردد، الذي يحتمل أن يجد الماء، فينتظر إلى وسط الوقت، حتى يغلب على ظنه عدم الحصول عليه، فيتيمم. أما الراجي، وهو الذي يغلب على ظنه وجود الماء قبل خروج الوقت، فيؤخر التيمم إلى آخر الوقت، لأن حكمه أن ينتظر ما دام يرجو الماء.

- سنن التيمم تشمل مسح اليدين إلى المرفقين بدلًا من الاكتفاء بالكوعين، لأن ذلك أكمل في الطهارة. كما تشمل الضربة الثانية للصعيد لمسح اليدين، والترتيب بين الأعضاء بحيث يُقدَّم مسح الوجه على اليدين. وهذه السنن تزيد التيمم كمالًا وتجعله أقرب إلى الطهارة بالماء.

- المستحبات في التيمم تتضمن التسمية قبل البدء به، لأن التسمية مستحبة في جميع العبادات. وتشمل أيضًا أداء التيمم بالصفة الكاملة، حيث يُضرب الصعيد باليدين، ثم يُنفضان نفضًا خفيفًا، ثم يُمسح الوجه، ثم تُضرب اليدان مرة أخرى، ثم يُمسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى بطريقة دقيقة تبدأ من أطراف الأصابع وتنتهي بالكوعين.

- اشترط الفقهاء اتصال الصلاة بالتيمم، بمعنى ألا يفصل بين التيمم والصلاة فاصل زمني طويل بغير عذر. فمن تيمم ثم انشغل بأمر غير ضروري قبل أداء الصلاة، بطل تيممه ولزمه تجديده. أما إن تأخر لسبب مشروع، كارتداء الملابس أو دخول المسجد، فلا بأس بذلك.

- نواقض التيمم هي كل ما ينقض الوضوء من أحداث، مثل البول والغائط وخروج الريح. ويزيد التيمم بناقض خاص، وهو وجود الماء قبل الصلاة لمن كان فاقدًا له، لأن التيمم رخصة، فإذا زال العذر الذي أباحه بطل التيمم وعاد الشخص إلى الأصل وهو الطهارة بالماء.

- من القيم الأخلاقية والتربوية المستنبطة من أحكام التيمم التيسير ورفع الحرج، حيث يُشرع التيمم لمن تعذر عليه استعمال الماء رحمة به. كما يظهر فيها أهمية الطهارة والاهتمام بها حتى في أصعب الظروف. وتعكس هذه الأحكام أيضًا قيمة الاجتهاد في البحث عن الماء، وعدم التهاون في العبادات، إلى جانب قيمة الانضباط والالتزام، حيث يتم تحديد أوقات التيمم بناءً على حالات الأشخاص المختلفة.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-