أخر الاخبار

درس تعليمي 6: أحكام نواقض الوضوء في الفقه المالكي وأهميتها في صحة العبادة

درس تعليمي 6: أحكام نواقض الوضوء في الفقه المالكي وأهميتها في صحة العبادة

درس تعليمي 6: أحكام نواقض الوضوء في الفقه المالكي وأهميتها في صحة العبادة

الطهارة في الإسلام هي الأساس الذي تقوم عليه العبادة، فهي الشرط الأول لصحة الصلاة وسائر العبادات التي تتطلب الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية الطهارة في قوله: "لا تُقبل صلاة بغير طهور"، وهو حديث صحيح رواه مسلم، يبين بوضوح أن الطهارة شرط لا غنى عنه للوقوف بين يدي الله تعالى في الصلاة، والطهارة في الإسلام ليست مجرد نظافة ظاهرية، بل هي طهارة معنوية وروحية تعكس الاستعداد للدخول في حضرة الله عز وجل. ومن أعظم مظاهر الطهارة التي شرعها الإسلام الوضوء، الذي يُعد وسيلة للتخلص من الأوساخ الظاهرة وتنقية القلب من الغفلة، فهو استعداد رمزي وروحي للقاء الله، وهو يرمز إلى تطهير الجوارح من الذنوب والخطايا، كما يُعزز الإحساس بالقرب من الله ويهيئ المسلم للدخول في أجواء العبادة بروح صافية ونفس مطمئنة.

ومع عظمة هذا الركن الأساسي، فإن هناك أمورًا تبطله وتُعرف بنواقض الوضوء. وهذه النواقض يجب على المسلم معرفتها حق المعرفة والتفقه في أحكامها، حتى يتمكن من أداء عباداته على الوجه الذي يرضي الله تعالى. إذ أن الجهل بها قد يؤدي إلى خلل في الطهارة، مما يترتب عليه بطلان العبادات المرتبطة بها. إن معرفة نواقض الوضوء تساعد المسلم على الالتزام بطهارته بشكل صحيح، وتجعل عباداته مقبولة عند الله تعالى، مما يرسخ أهمية الطهارة كجزء أساسي من حياة المسلم اليومية.

تعريف نواقض الوضوء

نواقض الوضوء هي الأمور التي تُبطل الطهارة وتُفسد الوضوء، مما يجعل المسلم غير مؤهل لأداء العبادات التي تشترط الطهارة، كالصلاة والطواف بالبيت الحرام. وإذا نظرنا إلى المعنى اللغوي، نجد أن النواقض جمع ناقض، وهي كلمة مأخوذة من مادة "النقض" التي تعني الإبطال أو الإفساد. ففي اللغة، يُقال: "نقض العهد" بمعنى أفسده أو أبطله، وكذلك نواقض الوضوء تعني كل ما يزيل أثر الطهارة ويُبطلها.

أما في الاصطلاح الشرعي، فتُعرّف نواقض الوضوء بأنها كل ما يُزيل الطهارة من الأسباب أو الأحداث التي تؤثر على حالة الإنسان الطاهرة وتجعله في حاجة إلى تجديد وضوئه. وهذه النواقض تشمل ما يخرج من الإنسان من بول أو ريح أو غائط، وكذلك بعض الأفعال التي قد تُحدث تغييرًا في طهارته، كلمس أمر معين بشروط محددة أو وقوع أمور عارضة مثل النوم الثقيل أو الإغماء أو الجنون.

فالوضوء في الشريعة الإسلامية هو حالة معنوية وروحية قبل أن يكون عملية مادية، فهو تطهير للجسد والروح معًا، ولهذا جاءت نواقض الوضوء لتكون إشارة إلى الأمور التي تفسد هذه الطهارة، سواء كانت تلك الأمور متعلقة بخروج شيء محسوس أو بحدوث تغييرات نفسية أو جسدية تؤثر على ارتباط المسلم بالعبادة. ومن هنا تتضح أهمية معرفة هذه النواقض وفهمها بشكل دقيق، لأن الطهارة شرط أساسي لصحة كثير من العبادات. فالفقه بنواقض الوضوء لا يقتصر على الجانب التطبيقي فقط، بل يُعمق فهم المسلم لمعاني الطهارة وأهميتها في حياته التعبدية.

نواقض الوضوء و أنواعها 

. نواقض متعلقة بخروج شيء من السبيلين: من نواقض الوضوء المتفق عليها في الشريعة الإسلامية تلك المتعلقة بخروج شيء من السبيلين، سواء كان ذلك عن طريق القبل أو الدبر، وأهم هذه النواقض هو خروج البول أو الغائط، حيث يُجمع العلماء على أن كل ما يخرج من السبيلين يُبطل الوضوء ويستوجب تجديد الطهارة. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43]، حيث يُفهم من هذه الآية أن قضاء الحاجة، سواء كان بولًا أو غائطًا، من الأمور التي تستدعي الوضوء من جديد.

أما خروج الريح، فهو ناقض آخر من نواقض الوضوء ويثبت ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" (رواه البخاري ومسلم). والمقصود بـ"أحدث" هنا هو خروج الريح من الدبر، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء. وتجدر الإشارة إلى أن خروج الريح يُبطل الوضوء حتى لو لم يكن له صوت أو رائحة، إذ أن العبرة بخروجه، وليس بآثاره.

ومن الحالات الخاصة المتعلقة بهذه النواقض حالة السلس، وهي خروج البول أو الريح أو الغائط بشكل غير إرادي. إذا كان هذا الخروج نادرًا وغير متكرر، فإنه يُعتبر ناقضًا للوضوء. ولكن إذا أصبح حالة مستمرة لا يستطيع الإنسان التحكم بها، فإنه يُعتبر عذرًا شرعيًا، وفي هذه الحالة يُطلب من المسلم الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها، دون الحاجة إلى تكرار الوضوء إذا استمر السلس خلال الصلاة أو بين الصلوات.

هذه الأحكام تؤكد على أهمية الطهارة والوضوء كشرط لصحة العبادة، لكنها في الوقت ذاته تُظهر رحمة الشريعة وتيسيرها في التعامل مع الظروف الاستثنائية التي قد يواجهها الإنسان.

. نواقض متعلقة بغياب العقل أو ضعفه: من النواقض التي ترتبط بغياب العقل أو ضعفه تلك التي تؤدي إلى زوال الإدراك، سواء كان ذلك بسبب نوم ثقيل أو حالات أخرى مشابهة، والنوم الثقيل يُعد من أكثر الحالات الشائعة التي تؤثر على الوضوء، إذ أن النوم الذي يُفقد معه الشعور تمامًا بما يدور حول الإنسان يُبطل وضوءه، والسبب في ذلك أن فقدان الإحساس يجعل الإنسان غير متيقظ لاحتمال خروج شيء من السبيلين دون أن يشعر. أما إذا كان النوم خفيفًا، بحيث يبقى الإنسان مدركًا لما حوله، كأن يسمع الأصوات أو يشعر بحركة جسده، فإن هذا النوع من النوم لا يُبطل الوضوء، وهو ما أكده العلماء استنادًا إلى فعل الصحابة الذين كانوا يغفون أحيانًا في المسجد وهم جالسون، ثم يقومون للصلاة دون إعادة الوضوء.

والسكر يُعتبر أيضًا من نواقض الوضوء، لأنه يؤدي إلى فقدان العقل والوعي بسبب تعاطي مواد كحولية أو مخدرة، وفقدان العقل في هذه الحالة يجعل الإنسان في حالة لا يستطيع معها التحكم في تصرفاته، وبالتالي يُعتبر وضوءه منتقضًا، إذ الطهارة في الإسلام مبنية على الوعي التام بأفعال العبادة، ولذلك فإن السكر يُبطل الوضوء بوضوح.

والإغماء كذلك يُعد من الحالات التي تُزيل الإدراك أيضًا، سواء كان ذلك بسبب مرض، أو حادث، أو أي سبب آخر، فعندما يُغشى على الإنسان، فإنه يفقد الشعور بما حوله تمامًا، وبالتالي يُبطل وضوءه لأن فقدان الإدراك هنا يعادل النوم العميق، بل هو أشد منه.

أما الجنون، فيُعد من أعظم النواقض المتعلقة بغياب العقل، سواء كان الجنون دائمًا أو مؤقتًا، فإنه يُزيل العقل والإدراك بشكل كامل، مما يجعل الطهارة السابقة غير صالحة، ولأن الطهارة مرتبطة بالعقل والنية، فإن الجنون يُبطل الوضوء بلا خلاف. كل هذه النواقض تؤكد على أهمية العقل والإدراك في أداء العبادات، وتُبرز كيف أن الطهارة ليست مجرد عملية مادية، بل هي عبادة تستدعي حضور النية والوعي.

. نواقض متعلقة بالإفرازات: من النواقض التي تتعلق بالإفرازات الخارجة من الإنسان تلك المرتبطة بالمذي والودي، وكلاهما يُبطل الوضوء ويستوجب التطهر منهما لإكمال العبادة على الوجه الصحيح، والمذي هو ماء رقيق شفاف ولزج يخرج عند التفكير في الجماع أو عند المداعبة أو الإثارة، وقد يكون خروجه غير محسوس أحيانًا، وهو طاهر في ذاته لكنه ناقض للوضوء، وعلى المسلم إذا أصابه المذي أن يغسل الموضع الذي أصابه، سواء كان البدن أو الثياب، وأن يتوضأ بعد ذلك إذا أراد الصلاة أو قراءة القرآن أو أي عبادة تحتاج إلى طهارة.

والودي، من جهة أخرى، هو ماء ثخين أبيض يخرج بعد التبول، وعادةً ما يكون مصحوبًا بثقل أو تغير في الإحساس، وهو أشد كثافة من المذي، ويعتبر الودي ناقضًا للوضوء بالإجماع، لأن خروجه مرتبط بخروج شيء من السبيلين، وهو أحد الأمور التي تُبطل الطهارة، وعند خروج الودي يجب على المسلم أن يغسل موضع خروجه، ويتأكد من تطهير الثياب إن أصابها، ثم يتوضأ.

ما يميز الأحكام المتعلقة بالمذي والودي هو التيسير والتوضيح في كيفية التعامل معهما، فقد بيّن الشرع طريقة تطهيرهما بوضوح، ولم يجعل في ذلك حرجًا، وهذه الأحكام تؤكد على أهمية الطهارة في الإسلام والعناية بها، كما تُبرز دور الفقه الإسلامي في توجيه المسلم للحفاظ على عباداته دون مشقة، كما أن المسلم مطالب بأن يكون متيقظًا لهذه الأمور، خاصة أنها قد تحدث دون انتباه، ولذلك من الضروري الحرص على الطهارة والوضوء عند الشعور بخروج أي إفرازات تؤدي إلى نقض الطهارة.

. نواقض متعلقة باللمس والقبلة: ومن النواقض التي تتعلق باللمس والقبلة تلك التي تؤدي إلى تحريك الشهوة أو ترتبط بأحكام الطهارة والوضوء. فلمس الرجل للمرأة مع وجود لذة، سواء كانت تلك اللذة مقصودة أم غير مقصودة، يُعد من نواقض الوضوء، واستدل العلماء على ذلك بقول الله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43]. وفي هذا إشارة إلى أن اللمس الذي يصاحبه شعور باللذة يزيل الطهارة، ويجب على من حصل له ذلك أن يعيد وضوءه إذا أراد أداء الصلاة أو غيرها من العبادات التي تتطلب الوضوء.

والقبلة بشهوة بين الرجل والمرأة تُعتبر أيضًا ناقضًا للوضوء، لأنها تؤدي إلى تحريك الشهوة، وهذا يُلحقها باللمس المصاحب للذة،  وإذا كانت القبلة خالية من أي شعور بالشهوة، كقبلة الأم أو الأخت أو الزوجة بغير قصد لذة، فإنها لا تنقض الوضوء، لكن إذا كانت بشهوة، فإنها تُعد من النواقض ويجب الوضوء بعدها.

من النواقض الأخرى المرتبطة بهذه الأمور إلطاف المرأة، وهو إدخال المرأة يدها في فرجها وفي هذه الحالة يبطل الوضوء ويجب تجديده قبل أداء العبادات. ومثل ذلك، فإن مس الرجل لذكره بيده بغير حائل، سواء بقصد أو بغير قصد، يُعد من نواقض الوضوء. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من مس ذكره فليتوضأ" (رواه أبو داود والترمذي).

فهذه الأحكام توضح حرص الإسلام على الطهارة الكاملة، خاصة فيما يتعلق بما يمس العبادات مثل الصلاة، كما تعكس أهمية المحافظة على الوضوء وتجديد الطهارة عند حصول أمور تؤدي إلى نقضها، فالمسلم مطالب باليقظة والانتباه لهذه النواقض، لضمان صحة عباداته وإتمامها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.

. نواقض متعلقة بالشك والكفر: ومن النواقض المهمة للوضوء الشك في الحدث والكفر أوالردة ، والشك في الحدث يراد به الشك في فعل الطهارة، أو في وقوع الحدث وهما يُعتبران من الحالات الشائعة التي قد تواجه المسلم، ومعنى ذلك أن من توضأ ثم شك هل هو باق على وضوئه أو انتقض وضوؤه فيجب عليه الوضوء، ومن أيقن الوضوء وشك هل أحدث أم لا فليعد وضوءه إلا أن يكون موسوسا وهو الذي يلازمه الوسواس أكثر مما يفارقه فهذا لا شيء عليه ولا يعيد وضوءه. 

أما الكفر أو الردة، فهي من النواقض الكبرى التي تُبطل الوضوء، والكفر سواء كان بالقول أو الفعل أو الاعتقاد، يُخرج الإنسان من ملة الإسلام، وبالتالي تبطل جميع عباداته، بما في ذلك وضوؤه، وإذا عاد الشخص إلى الإسلام بعد الردة، فإنه يجب عليه الوضوء كجزء من استعادة الطهارة والتهيؤ للعبادة. ويؤكد العلماء أن ذلك يُظهر أهمية النية والإيمان في قبول العبادات، فالطهارة الحسية والمعنوية تسيران معًا في الإسلام.

هذه النواقض تبرز أهمية الحرص على الطهارة القلبية والجسدية في حياة المسلم، فهو مأمور بأن يكون دقيقًا في أمور عباداته، محافظًا على وضوئه وطهارته، ومتجنبًا كل ما يؤدي إلى نقضها. كذلك، الشريعة تحث على الاستقرار النفسي والروحي، فلا تجعل الشك طريقًا لإثقال النفس أو التشكيك في العبادات، بل تدعو إلى الاطمئنان والبناء على اليقين، مع التذكير بأن الطهارة تبدأ من القلب بالإيمان وتنتهي بالجوارح بالطهارة المادية.

شروط صحة الوضوء بعد النواقض

شروط صحة الوضوء بعد وقوع النواقض تتطلب العناية والدقة لضمان الطهارة الكاملة قبل أداء العبادات، ومن أبرز هذه الشروط استبراء الأخبثين، حيث يُشترط التأكد من انقطاع البول والغائط قبل البدء في الوضوء، لأن بقاء شيء منهما مستمرًا يُبطل الطهارة ويمنع صحة الوضوء، فالاستبراء يُعدّ خطوة أساسية لضمان طهارة البدن، وهو فعل يعكس حرص المسلم على أداء العبادة بشكل صحيح، إذ لا تصح الطهارة مع وجود نجاسة مستمرة.

ومن الآداب المرتبطة بهذه الشروط ما يُعرف بالسلت والنثر، حيث يُندب للرجل بعد قضاء الحاجة أن يقوم بسلت ذكره بلطف ونثره، وهو ما يُعين على إخراج ما تبقى من البول إن وجد، وهذا الإجراء ليس فرضًا، لكنه مستحب للمساعدة في تحقيق طهارة أتم، كما يساهم في تقليل الوسوسة المتعلقة بنقاء الطهارة، وقد حث الفقهاء على اتباع هذه السنة لتحقيق الاطمئنان من تمام الطهارة.

كما يُشترط على المسلم التثبت من انقطاع الخارج من السبيلين قبل الشروع في الوضوء. يجب أن ينتظر حتى يتيقن تمامًا أن النجاسة قد انقطعت ولم يعد هناك أي خروج مستمر، وهذا التثبت يُجنب المسلم إعادة الوضوء بعد أدائه ويُرسخ في نفسه اليقين بتمام الطهارة، إن التمهل والتأكد من زوال الحدث يُعد جزءًا من الإعداد النفسي والبدني للدخول في العبادة، وهو ما يُظهر حرص الشريعة الإسلامية على رفع الحرج عن المكلفين وضمان طهارتهم بطريقة يسيرة وواضحة.

الاهتمام بهذه الشروط يعكس أهمية النظافة والطهارة في الإسلام، فهي ليست مجرد أمور ظاهرية، بل تعبير عن نقاء الباطن واستعداد الإنسان للتواصل مع خالقه في أفضل حالاته، ومن هنا فإن المسلم مدعو للالتزام بهذه الآداب والشروط لضمان صحة وضوئه وأداء عبادته على الوجه الذي يُرضي الله سبحانه وتعالى.

الاستنجاء والاستجمار

الاستنجاء والاستجمار هما طريقتان لإزالة النجاسة بعد قضاء الحاجة، وكل منهما له أحكام خاصة في الشريعة الإسلامية، فالاستنجاء هو إزالة النجاسة باستخدام الماء، حيث يتم تنظيف مكان النجاسة بالماء لإزالة أثرها تمامًا، ويعتبر الاستنجاء من أهم وسائل الطهارة في الإسلام، ويشترط فيه أن يتم استعمال الماء الطاهر والعذب، ويُستحب أن يكون الماء بكميات كافية لتطهير المكان تمامًا، مع مراعاة استخدام اليد اليسرى أثناء القيام بالاستنجاء.

أما الاستجمار، فيعني إزالة النجاسة باستخدام الأحجار أو المواد الصلبة الطاهرة مثل الورق أو المناديل، ويكون الاستجمار بديلاً عن الاستنجاء في حالات معينة، ويُشترط في المواد المستعملة أن تكون طاهرة وأن تكون قادرة على إزالة أثر النجاسة بشكل مناسب.

والفرق بين الاستنجاء والاستجمار يتضح في الوسيلة المستخدمة في كل منهما؛ فبينما يعتمد الاستنجاء على الماء، يعتمد الاستجمار على مواد صلبة لا تتطلب استخدام الماء، وهذا يجعل الاستجمار مناسبًا في الأماكن التي يصعب فيها الحصول على الماء أو عندما يكون الماء غير متوفر.

فيما يتعلق بحالات جواز الاستجمار، فإنه يجوز استخدامه في حالة وجود نجاسة قليلة لم تنتشر أو تصبح في حاجة ماسة إلى الماء، مثل النجاسة الطفيفة التي يمكن إزالتها باستخدام الحجارة أو المناديل. أما إذا كانت النجاسة كثيرة وانتشرت، فيجب استعمال الماء لإزالتها، لأنه لا يكفي الاستجمار في هذه الحالة لإزالة الأثر بشكل كامل.

بالإضافة إلى ذلك، يجدر بالذكر أن الاستجمار لا يعد بديلاً كليًا عن الاستنجاء في جميع الحالات. فقد حدد الفقهاء حالات معينة لا يجوز فيها الاستجمار إلا في حالة الضرورة، مثل غياب الماء أو العسر في استعماله.

القيم المستنبطة من أحكام نواقض الوضوء

أحكام نواقض الوضوء تعكس العديد من القيم التي حثّت عليها الشريعة الإسلامية، وتدعو إلى التيسير ورفع الحرج على المسلم في حياته اليومية، فالإسلام يدعو إلى تخفيف الأعباء عن المكلفين، ويشدد على أن التيسير في العبادة أمر أساسي. ففي أحكام الوضوء، نجد أن الشريعة تتيح للمسلم التخفيف من بعض القيود مثل عدم وجوب الفور أو الموالاة في الوضوء إذا كان هناك عذر شرعي أو مشقة، وهو ما يظهر جليًا في التيسير على الناس عند الحاجة. هذا التيسير ليس مقتصرًا على الوضوء فقط، بل يمتد إلى جوانب كثيرة من العبادة والحياة اليومية.

إلى جانب ذلك، تبرز قيمة الاعتدال وعدم التكلف، حيث يُشجع الإسلام على الوسطية في كل شيء، بما في ذلك العبادات. فالوضوء ليس طقسًا معقدًا أو مرهقًا، بل هو عبادة سهلة ويسيرة تؤدى دون مبالغة أو تكلف، والإسلام ينهي عن الغلو أو التعقيد في أداء العبادات، ويحث على أن تكون العبادة في إطار الاعتدال، ما يعزز راحة المسلم في أداء عبادته دون مشقة.

ومن القيم الهامة التي تبرز أيضًا من خلال أحكام نواقض الوضوء هي المسؤولية الفردية، فالمسلم مُلزم بالتحقق من صحة وضوئه قبل أداء الصلاة، وهذا يضعه أمام مسؤولية كبيرة تجاه عبادته، كما أن المسلم الذي لا يتحقق من طهارته قد يفرط في واجب ديني مهم، ولذلك كان التأكد من الطهارة جزءًا أساسيًا من أداء الصلاة، وهو ما يعكس الوعي الكامل بالمسؤولية الشخصية التي لا ينبغي التهاون فيها.

وأخيرًا، يُعتبر الوضوء وسيلة هامة للحفاظ على النظافة الشخصية، وهو ليس مجرد عبادة دينية بل يعد من أهم وسائل النظافة البدنية والروحية، فهو ليس فقط طهارة للجسد بل هو أيضًا تجديد للنقاء الروحي، مما يعزز حالة من السكينة والهدوء أثناء الصلاة، والإسلام يحرص على أن يكون المسلم طاهرًا ونظيفًا في كل جوانب حياته، ولهذا كان الوضوء خطوة ضرورية للحفاظ على هذه الطهارة.

خاتمة

في ختام الحديث عن نواقض الوضوء، نستعرض أهم ما يجب على المسلم معرفته حول هذه الأحكام، فنواقض الوضوء تشمل العديد من الأمور التي تفسد الطهارة وتمنع قبول الصلاة، مثل خروج الريح، البول، والغائط، والنوم العميق، وكذلك لمس الأعضاء التناسلية بدون حائل. هذه النواقض تذكر المسلم بأهمية الحفاظ على طهارته الدائمة لضمان صحة عبادته، لأن الطهارة شرط أساسي لقبول الصلاة وسائر العبادات، كما أن الطهارة ليست فقط شرطًا لسلامة الصلاة بل هي أيضًا وسيلة لتعزيز النظافة الجسدية والروحية.

أهمية الطهارة تظهر في كونها تمنح المسلم حالة من الصفاء والسكينة أثناء العبادة، وتقوي ارتباطه بالله عز وجل ولذلك، يجب على المسلم أن يولي اهتمامًا كبيرًا للوضوء، وأن يتقنه وفقًا لما ورد في السنة النبوية الشريفة، حيث أن السنة تؤكد على كيفية الوضوء الصحيح من خلال اتباع الخطوات والتوجيهات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والاهتمام بالوضوء وإتقانه ليس فقط لضمان صحته، بل أيضًا لتحقيق الإحساس بالراحة والسكينة الروحية التي ترافق المسلم أثناء أدائه للعبادات.

أسئلة للتقويم (أجب عن الأسئلة التالية قبل الاطلاع على الإجابة أسفله)

- ما هو تعريف نواقض الوضوء؟
- عدد نواقض الوضوء الواردة في متن ابن عاشر مع ذكرها.
- اشرح الفرق بين النوم الثقيل والنوم الخفيف في كونه ناقضًا للوضوء.
- ما هي حالات جواز الاستجمار؟
- ماذا يفعل المسلم إذا شك في وضوئه بعد انتهائه؟

إجابات أسئلة التقويم

ما هو تعريف نواقض الوضوء؟ نواقض الوضوء هي كل حدث أو فعل يؤدي إلى زوال الطهارة، مثل خروج البول أو الغائط، أو فقدان العقل، أو لمس المرأة بشهوة، وغيرها من الأمور التي تُبطل الوضوء.

عدد نواقض الوضوء الواردة في متن ابن عاشر ستة عشر ناقضا وهي : خروج البول والغائط، والريح، والسلس الناذر،النوم الثقيل، والسكر، والإغماء، والجنون، والمذي والودي، ولمس المرأة بشهوة، والقبلة بشهوة، وإلطاف المرأة ومس الذكر، والشك في الحدث، والكفر أو الردة.

اشرح الفرق بين النوم الثقيل والنوم الخفيف في كونه ناقضًا للوضوء: النوم الثقيل الذي يُفقد معه الإحساس يُبطل الوضوء لأنه قد يحدث حدث دون شعور. أما النوم الخفيف، فلا ينقض الوضوء لأن الإنسان يظل مدركًا لما حوله.

ما هي حالات جواز الاستجمار؟ يجوز الاستجمار إذا كان المكان المصاب بالنجاسة محدودًا وغير منتشر، ويُشترط أن يكون بثلاثة أحجار طاهرة أو ما يعادلها من أدوات نظيفة.

ماذا يفعل المسلم إذا شك في وضوئه بعد انتهائه؟ إذا شك المسلم في وضوئه بعد انتهائه، فعليه أن يعيد وضوءه إلا أن يكونا موسوسا.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-