أخر الاخبار

درس تعليمي 20: فقه الجمعة والجماعة في المذهب المالكي من متن ابن عاشر: أحكام وشروط وآداب التطبيق العملي

درس تعليمي 20: فقه الجمعة والجماعة في المذهب المالكي من متن ابن عاشر: أحكام وشروط وآداب التطبيق العملي

فقه الجمعة والجماعة في المذهب المالكي من متن ابن عاشر: أحكام وشروط وآداب التطبيق العملي

يقول عبد الواحد بن عاشر رحمه الله في أحكام صلاة الجمعة و الجماعة في نظمه المرشد المعين على الضروري من علوم الدين:

فَصْلٌ بِمَوْطِنِ القُرَى قَدْ فُرِضَتْ *** صَــلَاةُ جُمُــعَةٍ لِخُطْبَةٍ تَلَتْ
بِجَامِعٍ عَلَى مُقِــيمٍ مَا انعــذَرْ *** حُـرٍّ قَرِيبٍ بِـكَفْرسَخ ذَكَرْ
وَأَجْزَأَتْ غَــيْرًا نَعَــمْ قَــدْ تُنْدَبُ *** عِنْدَ النِّدَا السَّعْيُ إِلَيْهَا يُجَبُ
وَسُنَّ غُسْلٌ بِالرَّوَاحِ اتَّصَلَا *** نُدِبَ تَهْــجِيرٌ وَحَالٌ جَمُلَا
بِجُمُعَةٍ جَــمَاعَةٌ قَــدْ وُجِـــبَتْ *** سُنَّتْ بِفَرْضٍ وَبِرَكْعَةٍ رَسَتْ
وَنُــدِبَــتْ إِعَــادَةُ الْــفذِّ بِهَــا *** لَا مَغْرِبًا كَذَا عِشَــا مُوتِرَهَا

 تعد صلاة الجمعة والجماعة من أعظم الشعائر التي جسدت روح الإسلام الجماعي ووحدة المسلمين في العبادة والزمان والمكان، فهي من المواطن التي تتجلى فيها معاني الأخوة والتآلف والتعارف بين الناس حيث يجتمع المسلمون على طاعة الله وذكره وترك ما يشغلهم من أمور الدنيا استجابة لنداء الحق سبحانه و تعالى الذي قال في سورة الجمعة: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" فكان لهذا النداء مكانة سامية في وجدان الأمة لما يحمله من معاني الارتباط بالزمان المقدس والمكان الجامع الذي تتنزل فيه الرحمات وتصفو فيه القلوب وتُجدد فيه العهود مع الله تعالى.

وصلاة الجماعة بدورها مظهر عملي للوحدة الإسلامية، فهي تربي المسلم على الانضباط والالتزام وتعمق في نفسه روح التعاون والتضامن، كما أن في اجتماع الناس في المسجد صفا واحدا خلف الإمام تذكيرا بمبدأ المساواة والتواضع واندثار الفوارق الاجتماعية في محراب العبادة، فالناس في صفوف الصلاة سواء لا فرق بين غني وفقير ولا بين قوي وضعيف إلا بما يقدمونه من خضوع لله وطهارة قلب.

ومن هنا كانت دراسة أحكام الجمعة والجماعة من الضروريات الفقهية التي لا يستغني عنها المسلم لأن صحة العبادة لا تكتمل إلا بمعرفة ضوابطها وشروطها كما وردت في الفقه المالكي الذي أولى هذه الشعيرة اهتماما كبيرا تنظيرا وتطبيقا، فقد فصل العلماء المالكية القول في مسائل الوجوب والشروط والآداب والسنن والمبطلات وبينوا أحكام الخطبة والعدد المعتبر والزمان والمكان والنية وحكم المسافر والمريض وغيرهم من ذوي الأعذار.

ويتناول هذا الدرس بيان الأحكام الفقهية التفصيلية لصلاة الجمعة والجماعة كما نظمها ابن عاشر في منظومته الشهيرة من خلال شرح الألفاظ وتحليل المعاني وربطها بالتطبيق العملي في واقع المصلي المعاصر، وسيحاول الدرس الإجابة عن إشكالات فقهية مهمة من قبيل ما حكم صلاة الجمعة؟ ومن تجب عليه؟ وما الشروط التي إذا اختلت بطلت الجمعة؟ ومتى تتحول إلى ظهر؟ وما حكم من أدرك ركعة واحدة فقط؟ ومتى تجوز إقامة أكثر من جمعة في بلد واحد؟ وهل تجب صلاة الجماعة على كل مسلم أم يندب إليها فقط؟ وما هي الأعذار التي ترفع الوجوب؟ كما سيتطرق إلى الآداب والسلوكيات التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم عند توجهه إلى المسجد وكيف يحقق حضور القلب والخشوع في صلاته.

وسيظهر من خلال هذا الدرس أن فقه الجمعة والجماعة ليس مجرد أحكام شكلية وإنما هو نظام تربوي وروحي يرمي إلى بناء مجتمع متماسك تسوده الطمأنينة والتآزر في ظل هدي الشريعة، وأن فهم هذه الأحكام على طريقة المالكية يسهم في تصحيح الممارسة الدينية ويغرس في النفس الشعور بمسؤولية العبادة الجماعية التي تجمع بين الطاعة والخلق وبين الفقه والسلوك في آن واحد.

مفهوم صلاة الجمعة وحكمها الشرعي

تُعد صلاة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام التي تحتل مكانة متميزة بين سائر الصلوات لما تحمله من معانٍ روحية واجتماعية عميقة، فهي ليست مجرد صلاة تؤدى في وقت محدد وإنما هي رمز للوحدة الجامعة التي تجمع المسلمين من مختلف الطبقات والأعمار في بيت واحد هو المسجد، حيث يلتقون على كلمة التوحيد ويجددون العهد مع الله تعالى على الطاعة والاستقامة والإصلاح في الأرض.

وصلاة الجمعة في أصلها عبادة مخصوصة بزمان معين ومكان مخصوص ومظهر من مظاهر التلاحم الإيماني بين المؤمنين، وقد سميت جمعة لاجتماع الناس فيها من كل مكان، ولاجتماع الخير فيها، ولأنها تجمع القلوب على الذكر والطاعة ،كما قال العلماء إن هذا الاسم مأخوذ من الاجتماع الذي هو ضد التفرق، فكل من حضرها كان من أهل الاجتماع وكل من أعرض عنها فقد فوت على نفسه فرصة الارتباط بروح الأمة ووحدة صفها.

أما تعريفها عند فقهاء المذهب المالكي فهي صلاة ركعتين تؤدى بعد زوال الشمس يوم الجمعة بحضور جماعة من المسلمين بشروط مخصوصة وخطبتين قبلها يجلس الإمام بينهما جلسة خفيفة، وهي بدل عن صلاة الظهر في هذا اليوم المبارك، وليست مجرد تطوع أو نافلة بل هي عبادة مفروضة على من توفرت فيه الشروط التي نص عليها الفقهاء من حيث الإقامة والذكورة والحرية والقدرة على الحضور.

وقد وردت تسميتها بهذا الاسم لأول مرة في التاريخ الإسلامي قبل الهجرة عندما اجتمع الأنصار في المدينة وصلوا الجمعة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك أول اجتماع رسمي للمسلمين في يوم الجمعة. ومن هناك صار هذا اليوم رمزا مقدسا عندهم وخصه الله بفضل لم ينله يوم من أيام الأسبوع، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة"

أما حكم صلاة الجمعة فهو الوجوب العيني على كل مسلم ذكر حر بالغ مقيم غير معذور، وقد دل على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة الجمعة: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" فالأمر بالسعي وترك البيع دليل صريح على الوجوب، لأن صيغة الأمر في النص القرآني تدل على الفرض لا على الندب، وهذا ما أجمعت عليه الأمة من عهد الصحابة إلى يوم الناس هذا.

كما أكدت السنة النبوية هذا الوجوب في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" وفي حديث آخر رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض" وهذه النصوص كلها توضح أن صلاة الجمعة ليست مجرد عادة أسبوعية بل فريضة شرعية واجبة الأداء.

وقد انعقد إجماع الأمة منذ عهد الخلفاء الراشدين على وجوبها ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد بخلافه، لأن الأمة أجمعت على أن من ترك الجمعة بغير عذر فقد ارتكب إثما عظيما يستوجب الوعيد كما جاء في الحديث: "من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه" فالإجماع في هذه المسألة أصل راسخ لا نزاع فيه عند أئمة المذاهب الأربعة.

ومن خلال استقراء النصوص يتبين أن حكمة تشريع صلاة الجمعة ليست محصورة في أداء ركعتين فقط بل تتجاوز ذلك إلى كونها فرصة للتذكير الأسبوعي بأحكام الدين وإصلاح السلوك وتقوية الصلة بالله، فخطب الجمعة وسيلة لتوجيه الأمة وتهذيب الضمائر وإصلاح العلاقات الاجتماعية وتوحيد الصفوف، ولهذا كان التخلف عنها علامة على ضعف الإيمان وفتور الهمة في العمل الجماعي.

وهكذا يتضح أن صلاة الجمعة تمثل في جوهرها اجتماعًا إيمانيًا وتربويًا واجتماعيًا في آن واحد، فهي تجمع بين عبادة الجسد وعبادة القلب وبين الخضوع الفردي لله والالتزام الجماعي بقيم الدين الإسلامي، وهي في مذهب الإمام مالك شعيرة عظيمة لا تسقط إلا لعذر معتبر شرعًا كمرض أو سفر أو خوف، أما من فرط فيها تهاونًا فقد عرض نفسه للوعيد وأضاع من الخير ما لا يعلمه إلا الله.

شروط وجوب صلاة الجمعة وصحتها عند المالكية

تقوم صلاة الجمعة في المذهب المالكي على أصول وضوابط دقيقة تجعلها عبادة متميزة عن غيرها من الصلوات المفروضة، فهي صلاة لها شروط خاصة في وجوبها وصحتها فلا تصح إلا إذا اجتمعت تلك الشروط وتوفرت الأسباب التي نص عليها الفقهاء، لأن المالكية نظروا إلى صلاة الجمعة على أنها عبادة جماعية تتعلق بالمجتمع أكثر مما تتعلق بالفرد، ولذلك اشترطوا فيها ما يضمن تحقق مقاصدها الكبرى وهي الاجتماع والذكر والتواصل الروحي والاجتماعي بين المؤمنين.

ومن أول تلك الشروط المتعلقة بالمكلف أن يكون مقيما غير مسافر، لأن صلاة الجمعة لا تجب على المسافر عند المالكية إذ لا يتحقق في السفر معنى الاجتماع الذي هو مقصود الخطبة والجمعة، فالمسافر في حال ترحال وتنقل لا يتهيأ له الاستقرار الذي يليق بهذه الشعيرة الكبرى، ولذلك شرع له أن يصلي الظهر في وقتها بدلا من الجمعة، أما المقيم فهو من استقر في موطنه أو في بلد نوى الإقامة فيه مدة معتبرة فتلزمه الجمعة ما لم يمنعه عذر شرعي معتبر.

ومن الشروط كذلك أن يكون المكلف ذكرا، لأن صلاة الجمعة لا تجب على النساء في المذهب المالكي وإن كانت صحيحة منهن إذا حضرنها، لأن الشريعة راعت طبيعة المرأة ومسؤولياتها داخل بيتها فرفعت عنها الوجوب اكتفاء منها بأداء صلاة الظهر، ومع ذلك تبقى المرأة مأجورة إن حضرت الجمعة واستفادت من خطبتها فهي شريكة في الأجر وإن لم يلزمها الفرض.

ومن الشروط أيضا الحرية، لأن العبد المملوك لا تجب عليه الجمعة في أصل التشريع لعدم توافر الاستقلال في شؤونه الدنيوية، فقد يكون محكوما بأمر سيده فلا يملك الانصراف إلى الجمعة بغير إذنه وإن صلاها صحت منه نافلة، وهذا الحكم مرتبط بظروف تاريخية سابقة كان فيها نظام الرق قائما أما في واقعنا المعاصر حيث زال الرق فإن هذا الشرط أصبح غير مطبق من حيث الواقع ولكنه باق من حيث التنظير الفقهي في كتب المذهب المالكي.

ويشترط كذلك لوجوبها عدم العذر الشرعي، كمرض أو خوف أو مطر شديد أو عجز بدني يمنع من الحضور إلى المسجد، لأن المقصود من صلاة الجمعة حضور الجماعة والخطبة والخشوع فيها، فإذا وجد مانع يمنع ذلك سقط الوجوب رحمة من الله وتيسيرا كما دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما".

أما من جهة المكان فإن صلاة الجمعة لا تصح إلا في موطن تتوفر فيه مقومات الاستقرار فاشترط المالكية أن تكون في القرى أو المدن الجامعة لا في البوادي المنقطعة، لأن من مقاصدها جمع الناس في موضع واحد وتوحيد الكلمة فإذا كانت في موضع لا يجتمع فيه الناس سقط معنى الجمعة، لذلك قال ابن عاشر: "فصل بموطن القرى قد فرضت.." إشارة إلى أن الموطن شرط صحة ووجوب معا.

ومن الشروط أيضا أن تؤدى في جامع واحد يجتمع فيه الناس، لأن المالكية يرون أن الأصل في الجمعة أن تكون صلاة واحدة في كل بلد جامع ما لم تدعُ الضرورة إلى تعددها لضيق المسجد أو كثرة السكان، والمقصود من ذلك الحفاظ على وحدة الصف والمظهر الجماعي للأمة حيث يجتمع الناس على إمام واحد يسمعون خطبته ويصلون خلفه.

وأما في مسألة العدد المعتبر لصحة صلاة الجمعة فقد نص فقهاء المذهب المالكي على أنه لا تصح إلا بحضور اثني عشر رجلا من أهل وجوبها غير الإمام، بحيث تتحقق بهم الجماعة التي تنعقد بها الجمعة وهذا العدد مأخوذ من عمل أهل المدينة الذين كانوا لا يقيمون الجمعة إلا إذا حضر هذا العدد، لأن المقصود اجتماع معتبر لا يتحقق بالقلة التي لا يظهر بها شعار الجمعة.

ويتفرع عن هذه الشروط جميعها أن صلاة الجمعة عبادة ذات طبيعة جماعية وليست فردية ولهذا ربطها الفقهاء بخصائص الأمة ووحدتها، فإذا اختل أحد شروطها سقطت عن المكلف وجوبا أو صحت نفلا بحسب الحال، ومما يميز المذهب المالكي في ذلك أنه جمع بين روح النص ومقاصد التشريع فاعتبر الجانب الاجتماعي في أداء الجمعة ركنا لا يقل أهمية عن الجانب التعبدي.

ومن خلال هذه الشروط يتضح أن صلاة الجمعة في الفقه المالكي ليست مجرد التزام فردي بل هي نظام تعبدي يهدف إلى تحقيق الاجتماع الإيماني المنتظم الذي يربط الناس بمساجدهم ويغرس في نفوسهم قيمة الوحدة والسمع والطاعة لله ولرسوله، وهي في ذاتها مدرسة تربوية أسبوعية يتعلم فيها المسلمون معنى الانضباط والطاعة والنظام والتواصل مع الخطاب الديني الهادف.

إن معرفة هذه الشروط لا تقف عند الجانب الفقهي المجرد بل تفتح أمام الطالب والمصلي آفاقا لفهم حكمة التشريع الإسلامي في تنظيم الحياة الروحية والاجتماعية للأمة، وكيف جعل الله في كل أسبوع يوما يجتمع فيه المؤمنون لتجديد إيمانهم وسماع الذكر وتبادل المشاعر الأخوية في مشهد يجسد معنى قوله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة".

 أحكام الخطبة وشروطها في المذهب المالكي

الخطبة في صلاة الجمعة ركن عظيم من أركانها وشرط أساسي في صحتها عند المذهب المالكي، إذ لا تصح الجمعة بدونها لأنها المقصودة بالاجتماع وهي التي تميز صلاة الجمعة عن صلاة الظهر، فالمصلون يجتمعون لسماع الموعظة والذكر والبيان قبل أن يؤدوا الركعتين، فهي في حقيقتها جزء من العبادة ومظهر من مظاهر الشعيرة الجماعية التي أرادها الإسلام وسيلة لتجديد الإيمان وتذكير الناس بالله تعالى وبمبادئ الدين الحق، فالخطبة ليست مجرد كلام يقال على المنبر بل هي رسالة دعوية وتربوية لها مقاصد شرعية سامية.

تعرف الخطبة في اللغة: بأنها الكلام المرتب المقصود به الإفهام والتأثير، وفي الاصطلاح الشرعي: هي كلام يشتمل على حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم والوصية بالتقوى وشيء من الموعظة أو التعليم مما يصلح الناس في دينهم ودنياهم، فهي خطاب ديني رسمي يوجه للأمة في كل أسبوع يحملها على الطاعة ويزجرها عن المعصية وينبهها إلى ما يهمها من شؤون العقيدة والعبادة والسلوك الاجتماعي، ومن هنا كانت الخطبة شعيرة تعبّر عن حضور الدين في حياة الناس العملية لا في نطاق العبادات الفردية فحسب.

أما عن مقاصد الخطبة الشرعية فهي كثيرة منها: تربية النفوس على مراقبة الله، وتقوية صلة العبد بخالقه، ومنها ترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية بين المسلمي، ومنها بيان الأحكام الشرعية المستجدة التي يحتاجها الناس في معاملاتهم وأمور حياتهم، كما تهدف إلى توعية الأمة بما يحاك ضدها من أخطار فكرية أو أخلاقية، فهي إذن وسيلة تعليمية وتربوية واجتماعية في آن واحد، ولذلك اهتم فقهاء المالكية بتحديد شروطها وضبطها لتبقى في إطارها الشرعي الصحيح.

ومن شروط صحتها عند المالكية: أن تكون باللغة العربية لأن المقصود منها تبليغ معاني الدين التي نزل بها القرآن الكريم بلغة العرب، وقد أجمع الفقهاء على أن الخطبة التي لا تحتوي على أركانها الأساسية بالعربية لا تصح في حال كان الخطيب قادرا على النطق بها، أما إن كان عاجزا جهلا أو عيًّا جاز له أن يعظ الناس بلغتهم بعد تحقق الحد الأدنى من الأركان الشرعية بالعربية، لأن العجز يسقط التكليف فيما لا يقدر عليه الإنسان.

ويشترط أيضا في الخطبة أن تكون قبل الصلاة لا بعدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم على ذلك كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب خطبتين يفصل بينهما بجلوس خفيف ثم يصلي، فدل ذلك على أن الخطبة مقدمة ضرورية للصلاة لا تابعة لها، إذ بها يتحقق شرط الوعظ والتعليم الذي يسبق أداء الركعتين.

ومن شروطها كذلك أن تقع في وقت الظهر لأن الجمعة لا تصح إلا في وقتها المحدد شرعا، فلا يصح تقديم الخطبة قبل دخول الوقت كما لا يصح تأخيرها إلى ما بعده لأن الخطبة مرتبطة بالصلاة وجودا وعدما، فإذا لم يتحقق الوقت لم تصح الخطبة ولا الصلاة تبعا لذلك.

أما من جهة العدد فإن المالكية يشترطون أن يسمع الخطبة عدد المصلين الذين تنعقد بهم الجمعة أي اثنا عشر رجلا من أهل الوجوب، فإذا خطب ولم يحضر هذا العدد لم تصح الجمعة لأن المقصود من الخطبة أن تكون موجهة لجماعة معتبرة لا لأفراد متفرقين فهي خطاب عام للأمة لا وعظ خاص.

وفي مضمون الخطبة يجب أن تشتمل على عناصر محددة، هي حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ووصية بالتقوى وقراءة آية من القرآن الكريم ثم موعظة تناسب حال الناس، لأن الخطبة ليست مجرد أداء شكلي بل هي عبادة قولية يجب أن تتضمن ما يحقق مقاصدها الدعوية، فالحمد والثناء يذكّران بنعمة الله، والصلاة على النبي تجدد الارتباط بالرسالة الخاتمة، والوصية بالتقوى تدعو إلى إصلاح النفس، والآية القرآنية تذكير بالوحي الإلهي، والموعظة دعوة إلى العمل الصالح.

ويشترط المالكية أن تكون الخطبة من خطبتين يجلس بينهما الخطيب جلسة خفيفة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الجلسة سنة مؤكدة عندهم لأنها تفصل بين مقطعين تعبيريين في الخطاب الديني، فيكون فيها استراحة يستعد بها الخطيب والجمهور للمرحلة الثانية من الموعظة فتتحقق الهيبة والسكينة في المجلس.

كما يشترط أن يكون الخطيب قائما حال الخطبة إن قدر على القيام لأن القيام أبلغ في البلاغ وأقوى في التأثير على السامعين، فإن عجز عن القيام لخوف أو مرض جاز له أن يخطب قاعدا ولا حرج عليه لأن الشريعة قائمة على اليسر ورفع الحرج.

وتظهر حكمة هذه الشروط في أنها تجمع بين المظهر التعبدي والمضمون التربوي، فالمسلم حين يسمع الخطبة باللغة العربية يتذوق روح القرآن والسنة، وحين يسمع الموعظة يتأثر قلبه، وحين يشهد الخطيب واقفا متوجها إلى الناس يشعر بعظمة الموقف، وحين تجتمع الأمة في وقت واحد حول منبر واحد يتحقق المقصود من صلاة الجمعة وهو توحيد الكلمة وتجديد العهد مع الله.

إن ضبط أحكام الخطبة في المذهب المالكي يكشف عن عظمة النظام الإسلامي في تنظيم شؤون العبادة والخطاب الديني، فهي ليست مجرد كلمات تلقى بل شعيرة تستمد مشروعيتها من الوحي وتستمد قيمتها من أثرها في النفوس، ولذلك كانت الخطبة عند المالكية ركنا من أركان الجمعة لا تتم الصلاة إلا بها لأنها الرابط بين فكر الأمة ووجدانها ودليل على وعيها الديني وحضورها الإيماني في الحياة العامة.

 آداب الجمعة وسننها المؤكدة

من آداب صلاة الجمعة وسننها المؤكدة عند المذهب المالكي ما يجعل لهذه الشعيرة مكانة خاصة في حياة المسلم، فهي ليست مجرد صلاة أسبوعية يؤديها المؤمن بل هي مظهر من مظاهر النظافة والتهيؤ الروحي والجسدي للقاء الجماعة وسماع الذكر والتزود من الإيمان، فصلاة الجمعة تجمع بين العبادة القلبية والعملية وتجعل المؤمن يعيش لحظة تجديد العهد مع ربه ومجتمعه، ولهذا كان من أدبها أن يتأهب المصلي لها أتم استعداد ويظهر فيها أحسن هيئة لأنها يوم عيد الأسبوع كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم.

من أبرز السنن التي أكّد عليها فقهاء المالكية في يوم الجمعة: الاغتسال قبل التوجه إلى المسجد وهو سنة مؤكدة عندهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" والمقصود بالوجوب هنا تأكيد السنية لا الإلزام الفقهي، لأن المقصود من الغسل النظافة والطهارة وإزالة الروائح لئلا يتأذى المصلون في مجامعهم، وقد نص المالكية على أن الغسل قبل الرواح أفضل وأن تأخيره إلى قرب الصلاة أفضل لمن كان يخشى أن يتغير حاله قبل الذهاب إلى المسجد، والغسل في يوم الجمعة يعبر عن الاستعداد النفسي والبدني للعبادة ويحقق مقصد الطهارة التي هي شرط لكل عبادة.

كما يستحب التطيب والتزين ولبس الثياب النظيفة الجميلة لأن يوم الجمعة يوم اجتماع ومظهر من مظاهر الأمة، فيجب أن يكون المسلم فيه في أحسن حاله من حيث المظهر والرائحة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته" مما يدل على أن حسن اللباس والتزين في هذا اليوم من السنن المؤكدة التي تعكس جمال الدين ونظافته، فلبس الجميل من الثياب لا يقصد به التفاخر أو الرياء وإنما هو تعظيم للشعائر وإظهار لنعمة الله كما قال تعالى: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" فالمؤمن حين يتجمل لصلاة الجمعة كأنه يستعد للقاء ملك الملوك في حضرة الذكر والعبادة.

ومن آداب الجمعة كذلك: التهجير إلى المسجد، أي التبكير في الذهاب إليه وهو من السنن التي كان عليها السلف الصالح، فقد كانوا يخرجون إلى المسجد من أول النهار منتظرين الخطبة والصلاة. والمالكية يرون أن التهجير سنة مؤكدة لمن تيسر له ذلك لأن التبكير يدل على شدة الحرص على الخير والرغبة في الأجر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، إلى آخر الحديث.." وهو حديث يبين فضل المبادرة والتسابق إلى الصفوف الأولى لأن يوم الجمعة يوم المغانم الإيمانية.

ومن الآداب العظيمة في يوم الجمعة الإصغاء للخطبة وترك الكلام واللغو، لأن الخطبة ركن من أركان الجمعة والسكوت فيها شرط للاستفادة والتأث،ر فمن تكلم والإمام يخطب فقد لغا كما في الحديث الشريف، ومن لغى فلا جمعة له، أي لا أجر له فيها. فالمالكية يشددون على وجوب الإنصات وعدم الانشغال بأي أمر آخر أثناء الخطبة لأن الغاية منها الوعظ والتعليم ومن شغل قلبه أو لسانه فقد حرم نفسه من الفائدة المقصودة من هذا الاجتماع المبارك.

كما أن من سنن الجمعة أن لا يتخطى المصلي رقاب الناس إذا دخل المسجد وقد بدأت الخطبة، لأن ذلك يؤذيهم وينافي الأدب الجماعي الذي أمر به الإسلام بل يجلس حيث انتهى به المجلس، فإن وجد فرجة جلس فيها بهدوء لأن احترام المصلين أدب من آداب الجمعة التي تعبر عن خلق التواضع والسكينة.

ومن السنن أيضا الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، والدعاء في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء، فإنها ساعة عظيمة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه كما جاء في الحديث، وهي من أعظم فرص المسلم في الأسبوع لتجديد العهد مع الله وطلب الخير في دينه ودنياه.

إن هذه الآداب والسنن التي أكدها المذهب المالكي في صلاة الجمعة لا تقتصر على الجانب الشكلي وإنما تعبر عن روح الإسلام في الجمع بين الطهارة الظاهرة والنظافة الباطنة، فهي تربية على النظام والجمال والاحترام والإصغاء، وهي كذلك مدرسة في السلوك الجماعي والتهيؤ الروحي للعبادة، فالجمعة في حقيقتها يوم تزكية وتطهر، يوم لقاء وموعظة، يوم تجديد للعهد مع الله ومع الجماعة، ومن التزم بآدابها استحق أن يكون ممن قال فيهم الله سبحانه وتعالى:"إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"

أحكام الجماعة وعلاقتها بالجمعة

صلاة الجماعة في الإسلام تعد من أعظم مظاهر وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم، فهي صورة عملية للتعاون على البر والتقوى وميدان للتعارف والتآلف بين الناس، وقد أولى الفقهاء المالكية أهمية كبيرة لهذه الشعيرة لأنها ليست مجرد أداء جماعي للعبادة بل هي تربية روحية واجتماعية تؤكد مبدأ المساواة وتعمق روح الانتماء إلى جماعة المؤمنين، وقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة التي تبين فضل صلاة الجماعة وتحث على أدائها، ففي الحديث الصحيح، "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" وهذا الفضل العظيم يدل على أن الجماعة ليست عملاً مستحباً فحسب بل عبادة ذات أثر تربوي وإيماني بالغ.

ويرى فقهاء المذهب المالكي أن صلاة الجماعة في الصلوات الخمس اليومية سنة مؤكدة على الرجال القادرين غير المعذورين، وهي من السنن التي لا ينبغي التهاون فيها. لأن المقصود منها إحياء شعيرة الإسلام وإظهارها في المجتمع ومن تركها بغير عذر فقد فوت على نفسه خيرا عظيما ووقع في خلاف الأولى لأنها شعار أهل الإيمان، الذين قال الله فيهم الله سبحانه و تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" أي صلوا مع الجماعة لا منفردين، والجماعة عند المالكية واجبة في بعض الحالات مثل صلاة الخوف وصلاة الاستسقاء وصلاة العيدين حيث يتحقق فيها مقصود الاجتماع والإعلان بشعائر الدين.

أما في صلاة الجمعة فإن الجماعة ركن لا تصح بدونها، لأن الجمعة في أصلها صلاة جماعة جامعة لا يقوم بها الفرد وحده وقد بين ابن عاشر هذا المعنى في قوله: "بجمعة جماعة قد وجبت" فدل على أن الجماعة شرط لصحة الجمعة وليست مجرد سنة مؤكدة، لأن الله تعالى قال: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" فالأمر هنا متوجه إلى الجماعة لا إلى الأفراد، فالجمعة لا تقام إلا في المسجد الجامع بحضور العدد المعتبر من الرجال المقيمين، وهو ما نص عليه فقهاء المالكية في كتبهم بأن الجمعة لا تصح إلا بحضور اثني عشر رجلا من أهل وجوبها مع الإمام غير المسافرين ولا المعذورين.

والفرق بين الجماعة في الفرائض اليومية والجماعة في الجمعة واضح من جهة الحكم والمقصد، ففي الصلوات اليومية تعد الجماعة سنة مؤكدة يراد بها تعظيم شعائر الله وتقوية روابط المسلمين في المساجد، بينما في الجمعة فهي واجبة عينا على كل مكلف تتوافر فيه شروطها لأن الجمعة عبادة شعائرية كبرى ترمز إلى وحدة الأمة وتذكيرها بأهدافها وواجباتها، ولهذا جعل الله حضورها فرضا والغياب عنها من الكبائر إذا لم يكن لعذر معتبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين"

ومن جهة أخرى فإن العلاقة بين الجماعة والجمعة علاقة تكامل وارتباط، لأن الجمعة هي ذروة الجماعة وأعلاها ففيها يجتمع الناس كل أسبوع من مختلف الفئات والأحياء لسماع الخطبة الجامعة التي تعالج قضايا الدين والدنيا، فتصبح الجمعة بمثابة مؤتمر أسبوعي للمسلمين يعيد ترتيب أولوياتهم ويقوي إيمانهم، ولهذا كان التهاون في صلاة الجماعة مدخلاً للتهاون في صلاة الجمعة لأن من اعتاد الجماعة في اليومي كان أحرص على الجمعة ومن فرط في الأولى كان غالبا مضيعا للثانية.

وتتجلى حكمة التشريع في صلاة الجماعة من حيث مقاصدها فهي تربي المسلم على الانضباط وتعلمه النظام وتغرس فيه روح الطاعة والاحترام المتبادل، لأن الصف في الصلاة نموذج للمجتمع المتآلف الذي يقف أفراده متساوين لا فرق بين غني وفقير ولا بين حاكم ومحكوم، وهي في ذات الوقت فرصة للتعارف وتبادل السلام والدعاء وتفقد أحوال الناس مما يحقق مقصدا اجتماعيا ساميا.

ومن جهة الفقه المالكي فإن الجماعة في الجمعة واجبة وجوبا عينيا على كل حر ذكر مقيم غير معذور ولا تصح صلاة الجمعة إلا بإمام واحد وجماعة جامعة، أما الجماعة في غيرها من الصلوات فهي سنة مؤكدة وتركها من غير عذر مكروه كراهة شديدة لأن الانفراد في الصلاة يضعف الروابط الإيمانية ويخالف مقاصد الشرع في الاجتماع، ولهذا أكد المالكية أن حضور الجماعة من شعائر الدين التي يجب الحفاظ عليها كما يحافظ على سائر الفرائض.

وهكذا يظهر أن صلاة الجماعة والجمعة وجهان لمعنى واحد وهو الاجتماع على العبادة والطاعة، فالجماعة هي البناء اليومي الذي يؤسس للجمعة الأسبوعية، والجمعة هي التتويج الروحي لهذا الاجتماع اليومي، ولذلك من حافظ على صلاة الجماعة عاش روح الجمعة طول الأسبوع ومن داوم على الجمعة عاش روح الجماعة في قلبه وسلوكه طوال حياته.

أعذار التخلف عن الجمعة والجماعة

تعد مسألة أعذار التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة من القضايا الدقيقة التي عالجها الفقه المالكي بتوازن يجمع بين مراعاة مقاصد الشريعة والتيسير على المكلفين في أحوال الضرورة، إذ إن الأصل في المسلم الحرص على حضور الجمعة والجماعة لما فيهما من فضل عظيم وأجر جزيل، ولكن قد تطرأ ظروف قهرية أو موانع شرعية تجعل أداء هذه الشعيرة متعذرا أو شاقا فيسقط حينها الوجوب رحمة وتخفيفا من الله تعالى. ومن هذه الأعذار ما نص عليه الفقهاء صراحة كالمطر الشديد الذي يبل الثياب ويؤذي الناس في طريقهم إلى المسجد فيعد عذرا يبيح التخلف خصوصا في الأزمنة التي لا تتوفر فيها وسائل تقي من البلل والخطر، وكذلك المرض الذي يضعف الجسد أو يشق معه الحضور فإن حفظ النفس مقدم على الحضور الجماعي، لأن المقصود من العبادة الخشوع والإقبال لا المشقة والعنت، ومن الأعذار أيضا السفر إذا كان طويلا أو حال دون العودة في وقت الصلاة، فالمسافر تسقط عنه الجمعة والجماعة ويصلي الظهر ركعتين على حسب رخصة القصر، والخوف كذلك يعد عذرا سواء كان خوفا على النفس أو المال أو العرض فالشريعة لا تكلف العبد بما يعرضه للضرر أو الخطر كما قال الله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها".

ومن الأحكام المرتبطة بهذا الباب أن من فاتته صلاة الجمعة لعذر شرعي وجب عليه أن يصلي الظهر بدلا عنها أربع ركعات في وقتها، لأنها بدل عنها في الحكم والنية. فلا تصح منه الجمعة منفردا ولا تقضى بعد وقتها فمتى فات وقتها انتقل الحكم إلى صلاة الظهر، ومن تركها بلا عذر مشروع فقد فاته الأجر العظيم وتعرض للإثم لما في الحديث الشريف من الوعيد على من يترك الجمعة تهاونا مع قدرته عليها.

ويؤكد فقه المالكية في هذا السياق على ضرورة التمييز بين من تركها لعذر ومن تركها لغير عذر، فالأول مأجور غير مأزور والثاني آثم مقصر، كما يشيرون إلى أن من أدرك الإمام في الركعة الثانية من صلاة الجمعة فإنه يتمها ظهرا لأنها لا تصح منه جمعة لعدم إدراك الركعة الأولى مع الإمام، أما من أدرك ركعة كاملة فقد أدرك الجمعة وعليه أن يتمها ركعتين مع الإمام وهذا من دقة المذهب في بيان ضوابط صحة العبادة.

ومن خلال تتبع هذه المسائل في كتب المالكية كـ "المدونة الكبرى" و"شرح مختصر خليل" و"شرح ابن عاشر" يتضح مدى عناية الفقهاء بتحقيق التوازن بين الحفاظ على هيبة الشعائر وبين مراعاة ظروف الناس وأعذارهم، فتسقط الجمعة والجماعة عند وجود المشقة أو الخوف أو المرض، ولكن لا تسقط مكانتهما في قلب المسلم الذي يتمنى لو استطاع شهودهما فحضر بقلبه وإن غاب بجسده، وذلك هو معنى قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" وهو ما يعكس روح الفقه المالكي القائمة على الوسطية والرحمة والتيسير في أداء الفرائض والعبادات.

الجمع بين صلاة الجمعة والجماعة في المساجد

يعتبر موضوع الجمع بين صلاة الجمعة والجماعة في المساجد من المسائل الفقهية التي أولى لها علماء المالكية عناية خاصة لما لها من أثر مباشر على وحدة الأمة واجتماع الكلمة، إذ إن صلاة الجمعة في أصلها شعيرة جامعة ترمز إلى وحدة المسلمين وتآلفهم حول إمام واحد في موضع واحد، ومن ثم فإن الأصل عند المالكية ألا تقام إلا جمعة واحدة في البلد الواحد تحقيقا لمقصد الاجتماع وعدم التفرقة بين الناس في العبادة لما في ذلك من تقوية أواصر الأخوة وتعظيم شعائر الله.

غير أن واقع الناس وتوسع المدن وتباعد الأحياء جعل الفقهاء يبحثون في حكم تعدد الجمعات في البلد الواحد، وهل يجوز إقامتها في أكثر من مسجد أم يبقى الحكم على أصل المنع؟ فقرر فقهاء المذهب المالكي أن تعدد الجمعات لا يجوز إلا إذا وجدت حاجة معتبرة شرعا تقتضي ذلك كضيق المسجد عن استيعاب المصلين، أو بعد المسافة بين الأحياء بحيث يشق على الناس الوصول إلى المسجد الجامع الأول دون حرج أو عنت، ومتى انتفت هذه الحاجة وجب الاقتصار على جمعة واحدة لأن الغرض من التعدد رفع الحرج لا التوسع في الرخصة.

كما نص علماء المالكية على أن شرط جواز إقامة أكثر من جمعة أن يكون كل مسجد جامعا قائما بشروطه الشرعية من خطبة جامعة ووقت صحيح وعدد مكتمل من المصلين، وألا يكون الهدف من التعدد تفريق الناس أو النزاع بين الجماعات أو الأئمة، بل ينبغي أن يبقى الأصل هو وحدة الصف وتوحيد الكلمة فإن تعددت الجمعات دون حاجة معتبرة كان ذلك مخالفا لمقصود الشريعة في الاجتماع والوحدة.

ويشير الفقه المالكي في مؤلفاته، كـالمدونة الكبرى وشرح مختصر خليل إلى أن إقامة أكثر من جمعة في البلد الواحد من غير ضرورة يؤدي إلى إضعاف روح الجماعة وفقدان المقصد الشرعي من الخطبة التي جعلت لتذكير الأمة بخطر التفرقة وحثها على التراحم والتآزر، ولذلك كانوا يحرصون على أن تكون الجمعة شعيرة عامة يشترك فيها الجميع في وقت واحد يسمعون خطبة واحدة ويؤدون صلاة موحدة تجمع القلوب قبل الأبدان.

ومع اتساع المدن وتزايد السكان في الأزمنة الحديثة أصبح من العسير اجتماع الناس جميعا في مسجد واحد لذا أجاز فقهاء المالكية في العصر المعاصر إقامة جمعات متعددة متى تحقق معنى الحاجة والمصلحة العامة، بشرط أن يكون ذلك بتقدير أهل العلم والسلطة الشرعية وأن يراعى فيه التنظيم والتنسيق حتى لا تتحول الرخصة إلى عادة ولا الوحدة إلى تفرقة.

وهكذا يتضح أن المذهب المالكي تعامل مع مسألة تعدد الجمعات بروح المقاصد فحافظ على أصل الوحدة مع فتح باب التيسير عند الضرورة، فكان منهجه وسطا بين التشديد الذي يغفل واقع الناس وبين التساهل الذي يفرغ العبادة من معناها الاجتماعي والروحي، وبذلك تبقى صلاة الجمعة عنوانا على وحدة الأمة وجماع القلوب في بيوت الله.

 أحكام خاصة بالمسبوق في صلاة الجمعة والجماعة

من المسائل الدقيقة التي تناولها الفقه المالكي في باب صلاة الجمعة والجماعة ما يتعلق بأحكام المسبوق، أي المصلّي الذي يدرك الإمام بعد فوات بعض الركعات، إذ يحتاج هذا المصلي إلى معرفة دقيقة بكيفية إتمام صلاته حتى تصح عبادته وتتحقق له فضيلة الجماعة دون خلل أو نقص في الأركان أو الشروط، وقد أولى المالكية لهذه المسألة اهتماما خاصا لما يترتب عليها من أحكام تمس كثيرا من المصلين في واقع الحياة اليومية.

فالمسبوق في صلاة الجمعة عند المالكية إن أدرك ركعة كاملة مع الإمام فقد أدرك الجمعة وتجزئه صلاته ركعتين فقط، إذ يكمل ركعة بعد سلام الإمام فتكون له جمعة صحيحة بشروطها وأركانها. أما إذا أدرك الإمام بعد الركوع في الركعة الثانية أو في أي جزء منها قبل الركوع فلا يكون قد أدرك الجمعة وعليه بعد سلام الإمام أن يقوم فيصلي ظهرا أربعا، لأنها لم تتم له ركعتان كاملتان في زمن الجمعة وهذا الحكم مبني على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" وعلى فهم فقهاء المذهب لمقصود الاجتماع والاكتمال في هذه الفريضة.

كما يشترط في إدراك الركعة أن يدرك المسبوق الإمام راكعا قبل أن يرفع رأسه من الركوع إدراكا حقيقيا لا صوريا أي أن يطمئن معه في الركوع ولو زمنا يسيرا، لأن الركوع ركن فلا تدرك الركعة إلا به ومن فاته الركوع مع الإمام فقد فاتته الركعة كاملة ويعد حينئذ مسبوقا بأكثر من ركعة.

وفي صلاة الجماعة اليومية يتأكد للمسبوق أيضا نفس المعنى إذ ينال أجر الجماعة وإن فاتته بعض الركعات بشرط أن يدخل مع الإمام في أي حال من أحوال الصلاة، فكلما كبر تكبيرة الإحرام خلف الإمام دخل في الجماعة ويكمل ما فاته بعد سلام الإمام على ترتيب صلاته فيأتي بما فاته على الهيئة التي صلاها الإمام سواء كانت في الجهر أو السر ويقرأ في الركعات التي يقضيها كما يقرأ المنفرد في صلاته.

ويؤكد المالكية أن المسبوق لا يعتد بما أدركه من الإمام على أنه قضاء لما فاته بل هو أداء لما أدرك وقضاء لما فاته بعد السلام، ولذلك وجب عليه أن يتابع الإمام متابعة كاملة دون سبق أو تأخر وأن لا ينشغل بنيّة القضاء أثناء متابعة الإمام لأن الأصل في الصلاة الاتباع الكامل للإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به".

ومن الجوانب التربوية في هذا الباب أن فقه المسبوق يربي المسلم على الانضباط في الصلاة وعلى الحرص على الحضور المبكر للمسجد حتى يدرك الجماعة من أولها وينال فضل الصف الأول والتهجير إلى المسجد، كما يربيه على التواضع وعدم التعجل في قضاء الركعات أو مفارقة الإمام قبل السلام وهو خلق يرسخ في النفس معنى النظام والجماعة.

أما في حال المسبوق في صلاة الجمعة خاصة فإن فقهاء المالكية نصوا على أن من دخل المسجد والإمام في التشهد أو في السلام فلا جمعة له ويلزمه أن يصلي الظهر أربعا بعد ذلك، لأن إدراك الجمعة مشروط بإدراك ركعة تامة كما سبق بيانه وهذا الحكم يبين دقة المذهب في مراعاة التوقيت والأركان والنية الجامعة في أداء الجمعة التي تختلف عن سائر الصلوات بخصوصيتها الجماعية.

وهكذا يتضح أن أحكام المسبوق في الجمعة والجماعة في المذهب المالكي تقوم على أساس الجمع بين مراعاة النص الشرعي وتحقيق المقصد التعبدي وهو الجماعة والوحدة، والحرص على إتمام الصلاة على وجهها الأكمل في حدود ما أدركه المصلّي من الإمام وبما يضمن له تمام الأجر وصحة العبادة.

إعادة الصلاة جماعة بعد أدائها فرادى

من المسائل الدقيقة التي تناولها فقه المالكية في باب صلاة الجماعة مسألة إعادة الصلاة جماعة بعد أن يؤديها المسلم منفردا، وهي المسألة التي أشار إليها الإمام ابن عاشر بقوله: "ندبت إعادة الفذ بها" أي أن من صلى وحده ثم وجد جماعة تقيم تلك الصلاة يستحب له أن يعيدها معهم بنية النفل لا الفرض، لأن المقصود في هذه الحالة تحصيل فضل الجماعة لا أداء الفريضة مرة ثانية، فالفذ هو المنفرد في صلاته وقد رغب الشرع في أن لا يعتاد المسلم الانفراد في الصلاة لما في الجماعة من أجر مضاعف ومقاصد اجتماعية وروحية عظيمة.

إن مفهوم إعادة الصلاة هنا مرتبط بمبدأ محوري في الفقه المالكي وهو أن الجماعة مقصد تعبدي مستقل يترتب عليه أجر خاص حتى وإن سبق المسلم إلى أداء الفريضة وحده، لأن أداء الصلاة جماعة يجسد روح الإسلام القائمة على التعاون والاتحاد ويؤكد المعنى التربوي للتآلف والتواضع في بيت الله، كما جاء في الحديث الشريف: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" فالمصلي إذا صلى منفردا ثم وجد جماعة قائمة استحب له أن يدخل معهم لتحصيل هذا الفضل العظيم.

ويبين فقهاء المالكية أن إعادة الصلاة في هذه الحالة تكون مشروعة إذا كانت الصلاة الثانية من جنس الأولى أي في الوقت نفسه، وأن تكون نية المصلي فيها نافلة لا فرضا، لأن الفرض قد أدي بالفعل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه حين كان يصلي مع النبي ثم يصلي بقومه "تلك له تطوع" أي إن صلاته الثانية نافلة لا إعادة للفرض.

أما إذا كانت الصلاة الأولى قد أديت في جماعة فلا تشرع الإعادة بجماعة أخرى إلا إذا وجدت جماعة جديدة لم تصل بعد وكان هو الإمام، أو أحد أفرادها محتاجا إلى التعلم أو التشجيع، فيجوز حينئذ من باب التعليم أو التعاون على الطاعة لا من باب استحباب التكرار لأن التكرار من غير سبب لا أصل له في السنة ولا في عمل السلف.

وقد نص المالكية على أن الإعادة بعد الفذ مشروعة مطلقا سواء كان المسجد جامعا أو غير جامع وسواء كانت الصلاة جهرية أو سرية ما لم يترتب على الإعادة مفسدة، كإحداث لغط أو تشويش على جماعة أخرى في المسجد لأن مقصود الشريعة من الجماعة هو الجمع لا التفرق ومن النظام لا الفوضى.

ومن الناحية الروحية فإن استحباب إعادة الصلاة مع الجماعة يرسخ في النفس معنى التواضع أمام الجماعة، ويمنع العجب بعبادة الفرد ويشعر المصلي بأنه جزء من جسد واحد في الأمة كلها، كما أنه وسيلة لإحياء المساجد بالمصلين وإطالة زمن الذكر والطاعة مما يجلب الرحمة والسكينة إلى المكان.

أما إذا كانت الصلاة المعادة من جنس النوافل مثل سنة الظهر القبلية أو البعدية فلا يشرع للمصلي أن يدخل فيها مع الجماعة بنية النافلة جماعة، إلا على وجه التعليم أو الموافقة لأهل المسجد، لأن النفل الجماعي في غير ما ورد به الشرع مكروه عند المالكية إلا في حالات محددة كصلاة التراويح.

وهكذا يتضح أن قول ابن عاشر "ندبت إعادة الفذ بها" يلخص قاعدة فقهية جامعة تقوم على التوازن بين أداء الفريضة الصحيحة والانفتاح على الجماعة في العبادة، لأن صلاة الجماعة ليست مجرد أداء للحركات بل هي مظهر لوحدة المسلمين وتعبير عن روح المشاركة في طاعة الله، وفيها تربية على النظام والتواضع وتآلف القلوب، ولذلك كان فقه المالكية يحرص على بيان أن الإعادة هنا عبادة مستحبة لتحقيق معاني الجماعة لا لتكرار الفرض الذي أدي بالفعل.

تطبيقات فقهية من واقع الجمعة والجماعة

تعد التطبيقات الفقهية من واقع صلاة الجمعة والجماعة من أهم الجوانب العملية التي تعين المصلي على فهم الأحكام النظرية فهما واقعيا يلامس حياته اليومية ويجعله أكثر طمأنينة في أداء العبادة، ومن بين تلك التطبيقات ما يقع كثيرا في المساجد من حالات تتعلق بإدراك الجمعة أو فوات بعضها أو الاختلاف في إقامة الجمعات في موضع واحد وهذه الحالات تحتاج إلى بيان دقيق وفق ضوابط المذهب المالكي.

فمن التطبيقات المهمة، حالة من دخل المسجد يوم الجمعة وقد أدرك الخطبة ولم يدرك الركعة الأولى مع الإمام، فهنا يبين فقهاء المالكية أن من لم يدرك ركعة كاملة مع الإمام فإنه لا يكون مدركا لصلاة الجمعة بل يصليها ظهرا أربعا بعد سلام الإمام، لأن الركعة الواحدة شرط في إدراك الجمعة، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" فالخطبة وحدها لا تكفي لتحقق الإدراك الواجب، لأن الركوع مع الإمام هو المعتبر في إدراك الركعة فلو دخل المصلّي والإمام في التشهد أو في القيام للركعة الثانية بعد فوات الركوع الأول فإنه يتم صلاته ظهرا أربعا بنية الظهر لا الجمعة.

أما من أدرك الإمام في الركعة الثانية قبل الركوع فركع معه فقد أدرك الجمعة كاملة ويتمها بركعة واحدة بعد سلام الإمام، ويكون بذلك قد أجزأت عنه الجمعة، وهذا تطبيق واضح لقاعدة المالكية في التمييز بين إدراك الخطبة وإدراك الركعة لأن الخطبة وإن كانت شرطا لصحة الجمعة عند الإمام والخطيب إلا أن حضورها ليست شرطا في حق المأموم وإنما الشرط أن يدرك ركعة من الصلاة نفسها.

ومن التطبيقات الأخرى ما يقع في المدن الكبيرة أو القرى حين تقام جمعتان أو أكثر في مواضع متقاربة، ففي هذه الحالة يقرر المالكية أن الأصل عدم تعدد الجمعات في البلد الواحد إلا لعذر معتبر كضيق المسجد أو تباعد الأحياء أو المشقة في الوصول إلى الجامع الأصلي، فإن وجدت هذه الأعذار جاز تعدد الجمعات تحقيقا للمصلحة ودفعا للمشقة أما إذا لم يوجد عذر فيكون التعدد مكروها لأنه يخل بمقصود الاجتماع الذي شُرعت الجمعة لأجله.

كما يمكن أن يمثل لذلك بما لو صلى بعض الناس الجمعة في مسجد قريب ثم علموا أن جماعة أخرى في حي مجاور لم تقم الجمعة إلا بعدهم لعذر مشروع، كتعطل الخطيب أو تأخر الوقت فهنا لا حرج أن تقام الجمعة الثانية إذا تحققت شروطها من خطبة وجامع وعدد معتبر ومكان مأذون به لأن الضرورة ترفع الحرج في مثل هذه الحالات.

ومن التطبيقات الفقهية الدقيقة أيضا حالة من حضر بعد سلام الإمام ولم يدرك الجمعة ولا الركعة الثانية، فإنه يصلي الظهر أربعا لأن الجمعة لا تدرك إلا بركعة كاملة ولا يشرع له أن يقيم جمعة جديدة في المسجد بعد انتهاء الأولى لأن العبرة بالوقت وباكتمال الشروط لا بمجرد وجود جماعة.

وهناك أيضا مسألة من نسي صلاة الجمعة بسبب عذر قاهر كالمرض أو المطر أو السفر، فإن الواجب عليه أن يصلي الظهر بدلا عنها ولا إعادة عليه بعد زوال العذر لأن الوجوب يسقط بالعذر كما هو مقرر في القواعد الفقهية.

إن مثل هذه التطبيقات العملية تجعل فقه الجمعة والجماعة عند المالكية فقها واقعيا متوازنا يجمع بين مراعاة النصوص الشرعية ومقاصدها وبين فقه الواقع وظروف الناس، فهي أحكام تحفظ هيبة الشعيرة وتيسر على المصلين أداءها على الوجه الصحيح، ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على تعلمها ليعبد الله على بصيرة ويقيم الجمعة والجماعة وفق ما قرره الأئمة في كتبهم المعتمدة.

خاتمة

تتوج دراسة أحكام صلاة الجمعة والجماعة في المذهب المالكي بفهم عميق لمكانة هذه الشعيرة في حياة المسلم، فهي ليست مجرد فريضة تؤدى في وقت محدد، بل هي مدرسة إيمانية يتجدد فيها الإخلاص واليقين وتترسخ بها معاني الأخوة والوحدة بين المسلمين. إن صلاة الجمعة بما تحمله من خطبة جامعة وتذكير شامل تمثل منبرا لتنوير القلوب وتزكية النفوس وربط الناس بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي عبادة تجمع بين التعبد والتعليم والإصلاح، ولذلك اعتنى بها الفقهاء أعظم عناية فبينوا شروطها وأركانها وآدابها حتى تصح وتقبل على الوجه المشروع.

ومن الأحكام العملية التي يتأكد على المسلم معرفتها وجوب الجمعة على كل ذكر حر مقيم غير معذور، وأنها لا تصح إلا في جامع واحد يجتمع فيه العدد المعتبر، وأن الخطبتين شرط لا تنعقد بدونهما، كما أن السعي إليها واجب وترك البيع عند النداء فرض شرعي دل عليه قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع"، كما أن من فاته إدراك ركعة منها صلاها ظهرا أربعا، ومن أدرك ركعة أجزأته الجمعة.

أما صلاة الجماعة فهي من شعائر الإسلام الظاهرة، فرض كفاية عند المالكية وسنة مؤكدة في حق الأفراد لما فيها من مضاعفة الأجر وتربية النفس على النظام والطاعة وتعميق روابط المحبة بين المؤمنين، فهي مظهر من مظاهر وحدة الصف واجتماع الكلمة، ومن حافظ عليها في أوقاتها نال فضلها وذُكر في الملأ الأعلى من عباد الله الصالحين.

إن الالتزام بشعيرة الجمعة والجماعة يورث القلب طمأنينة ويغرس في النفس روح التعاون والتكافل ويجعل الأمة جسدا واحدا يسمع فيه الجميع نداء الحق فيتوجهون إلى بيوت الله خاشعين متحابين، فيقوى بذلك نسيج المجتمع المسلم ويتجدد فيه الإيمان والخشوع في كل أسبوع ويوم، لتظل المساجد منارات للهداية ومراكز إشعاع روحي وأخلاقي تحفظ للأمة هويتها ووحدتها وتربطها بربها على الدوام.

أسئلة التقويم

- ما المقصود بصلاة الجمعة في الاصطلاح الشرعي، ولماذا سُمّيت بهذا الاسم؟ بيّن مكانتها في الإسلام وفضلها في ضوء النصوص الشرعية.
- اذكر حكم صلاة الجمعة عند المالكية، مع بيان الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، ثم وضّح الفرق بين الوجوب العيني والكفائي في هذا الباب.
- ما هي شروط وجوب صلاة الجمعة وصحتها كما نص عليها فقهاء المالكية؟ بيّن الشروط المتعلقة بالمكلف، وبمكان إقامتها، وبالعدد المعتبر لانعقادها.
- فسّر المقصود بالخطبة في صلاة الجمعة، واذكر مقاصدها الشرعية وأهم شروطها عند المالكية من حيث اللغة والمضمون والوقت وعدد الخطبتين.
- ما أبرز آداب الجمعة وسننها المؤكدة التي ينبغي للمسلم الالتزام بها قبل الصلاة وأثناءها؟ اشرح أثر هذه السنن في إعداد النفس روحيا وسلوكيا لاستقبال هذا اليوم المبارك.
- بيّن فضل صلاة الجماعة وحكمها في المذهب المالكي، مع توضيح العلاقة بين الجماعة والجمعة، واذكر ما يميز صلاة الجماعة في الفرائض اليومية عن صلاة الجمعة الأسبوعية.
- اذكر الأعذار الشرعية التي تسقط وجوب حضور الجمعة أو الجماعة، كالمطر أو المرض أو الخوف، وبيّن ما يجب على من فاتته صلاة الجمعة من أحكام تتعلق بصلاة الظهر.
- حلّل الحالات التطبيقية التالية: من أدرك الخطبة دون الركعة الأولى، ومن صلى الجمعة في مسجد ثم وجد جمعة أخرى أقيمت في مكان قريب، ومن أدرك ركعة فقط من الجمعة، مع بيان الحكم الفقهي في كل حالة.

إجابات أسئلة التقويم

 - ما المقصود بصلاة الجمعة في الاصطلاح الشرعي، ولماذا سُمّيت بهذا الاسم؟ بيّن مكانتها في الإسلام وفضلها في ضوء النصوص الشرعية

صلاة الجمعة اصطلاحًا هي صلاة مخصوصة تؤدى يوم الجمعة من كل أسبوع، تتألف من خطبتين يتلوهما ركعتان يؤديهما الإمام جماعة بدلاً عن صلاة الظهر في ذلك اليوم، وتميّزها عن سائر الصلوات كونها شعيرة جماعية جامعة لأهالي الموطن؛ فالخطبة فيها جزء أصيل لا يجوز تقسيمه عن الصلاة. سُمّيت جمعة لأنها تجمع الناس اجتماعًا، فالاسم مشتق من معنى الاجتماع والالتقاء، وهو المقصد الأساسي من تشريعها، وهو ما عبّر عنه الشرع بالدعوة إلى السعي عند نداء الجمعة «فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع»، فالجماعة واللقاء هما أساس اللفظ والحكم.
مكانتها في الإسلام عظيمة لأنها مدرسة أسبوعية لتذكير الأمة وتوحيدها وإصلاحها، والدليل القرآني واضح في الآية الكريمة التي أمرت السعي عند نداء الجمعة، كما وردت أحاديث نبيِّنا صلى الله عليه وسلم التي بيّنت فضلها وحكمتها، ومن ذلك تقرير الوجوب عن جمهور الصحابة والتابعين وإجماع الأمة على أهميتها ووجوبها على من توفرت فيه شروطها. وفضيلتها العملية تظهر في مضاعفة الأجر، وفي تحذير الشرع من التهاون فيها، ودلالة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في مَن ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه، مما يدل على عظم شأنها وعظيم ثوابها ووعيد تاركها بلا عذر.

- اذكر حكم صلاة الجمعة عند المالكية، مع بيان الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، ثم وضّح الفرق بين الوجوب العيني والكفائي في هذا الباب

الحكم عند المالكية أن صلاة الجمعة واجبة عينًا على كل ذكر بالغ حر مقيم غير معذور، وأدلتهم في ذلك نص القرآن قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ» حيث إنّ صيغة الأمر هنا قوية وتوجيهها إلى جماعة المؤمنين دلّ على الوجوب، ودلّ على خصوصية الجمعة في الشرع. وتؤكّد السنة النبوية هذا الوجوب من أحاديث عديدة، منها النصوص التي تحدّثت عن حقوق الجمعة وفضل الحضور. أما الإجماع فقد تحقق عند الصحابة والتابعين ثم عن الأئمة أن الوجوب ثابت لمن توفرت فيه الشروط، ولم يشتهر خلاف معتبر في المذاهب الأربعة بشأن الوجوب بعامة.
الفرق بين الوجوب العيني والوجوب الكفائي يبيّن موضع الحكم وتبعاته؛ ولو قيل إن الجمعة فرض كفائي لَسقط عن الأفراد إذا قام جماعة تؤديها، أما الوجوب العيني فالملزم هو كل فرد توفرت فيه شروط الاشتغال، فالكفائي هنا لا ينطبق لأن الشرع أراد حضورًا جماعيًا لأهل المدينة فلا يكفي قيام بعض الناس مكان الجميع؛ لذا عند المالكية الوجوب عين على المقيم المأمور الحاضر ما لم يكن له عذر.

- ما هي شروط وجوب صلاة الجمعة وصحتها كما نص عليها فقهاء المالكية؟ بيّن الشروط المتعلقة بالمكلف، وبمكان إقامتها، وبالعدد المعتبر لانعقادها

شروط الوجوب والصحة مجتمعة لدى المالكية متعدّدة ومتكاملة، أولها شروط المتكلِّف؛ يجب أن يكون الرجل مقيماً غير مسافر، بالغاً عاقلاً حراً غير مملوك، لأن المسافر والمرأة والعبد المملوك في الأصل لم تَرِد عليهم الوجوب عينًا في المذهب المالكي، كما أن المرض الشديد أو الخوف أو مطر شديد أو عذر آخر يرفع الوجوب. الشرط الثاني متعلق بالمكان والموطن؛ الجمعة تُفرض في المواطن التي يلتقي فيها أهل البلدة، فالمالكية يشترطون كونها في موطن قرية أو مدينة معقولين حيث يتحقق معنى الاجتماع، ولا تُشرع في مكان منعزل لا يجتمع فيه أهل البلدة. الشرط الثالث متعلق بالمكان الجامع نفسه؛ يجب أن تُعقد في جامع أو مكان يصلح لأن يكون محلاً للاجتماع والخطبة، ويفضل أن تكون في الجامع الأكبر لبلدٍ ما ما دام يضم أهل الوجوب. الشرط الرابع يتصل بالعدد المعتبر، وقد اشترط أئمة المالكية وجود جماعة معتبرة لا قلة متناهية، ونقلوا عمل أهل المدينة بمنع الجمعة ما لم يتجمع عدد معتبر (ثُلَّة يعبرون عن مشروعية الاجتماع) فالتقدير العملي لدى المالكية أن وجود جماعة معتبرة من رجال البلد شرط لصحة انعقاد الجمعة. هذه الشروط مجتمعة تهدف إلى تحقيق غرض التشريع من الاجتماع والوعظ والإصلاح.

- فسّر المقصود بالخطبة في صلاة الجمعة، واذكر مقاصدها الشرعية وأهم شروطها عند المالكية من حيث اللغة والمضمون والوقت وعدد الخطبتين

الخطبة في الجمعة خطاب ديني رسمي مقدّم قبل الصلاة، يتضمن حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي ثم وصية بالتقوى وما يَلزم الناس من أمور دينية ودنيوية مفيدة، وهي أداة دعوية وتربوية يستعملها الإمام لتوعوية الناس وإصلاح أحوالهم وتذكيرهم بالشرع ومصالحهم العامة. مقاصدها ترجع إلى تذكير الأمة، بيان الأحكام الشرعية، حثّ الناس على الطاعة، الإصلاح الاجتماعي، وإشاعة روح الوحدة والسمع والطاعة.
شروط الخطبة عند المالكية دقيقة: يجب أن تكون الخطبة قبل الصلاة، فإن لم تكن قبلها بطل اتحادها بالجمعة، ويجب أن تُلقى بالعربية إذا كان الخطيب قادراً لأن العربية لغة الشريعة والوحي والأصل في تبليغ المعاني، وإن عجز الخطيب جاز له استعمال لغة الناس بعد إتمام أركان الخطبة العربية إذا اقتضى الحال. كما تشترط سلامة المضمون ووجود العناصر الأساسية: الحمد، والصلاة على النبي، والوصية بالتقوى، ويفضّل قراءة آيةٍ من القرآن والموعظة النافعة. كما يجب أن تكون الخطبتان مفصلتين بجلوس خفيف بينهما، والجلوس يكون سنة مؤكدة. ووقت الخطبة مرتبط بوقت الظهر ووقت دخول صلاة الجمعة؛ لا تصح إذا كانت قبل وقتها الشرعي ولا إذا أُخّرت حتى غاب وقت الجمعة، لأن الخطبة متعلقة بالصلاة ذاتها.

- ما أبرز آداب الجمعة وسننها المؤكدة التي ينبغي للمسلم الالتزام بها قبل الصلاة وأثناءها؟ اشرح أثر هذه السنن في إعداد النفس روحيا وسلوكيا لاستقبال هذا اليوم المبارك

من أبرز السنن المؤكدة لجمعةٍ مقبولة ومتقنة الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب، فالاغتسال رمز للطهارة والتهيؤ للعبادة، والتطيب حفظًا لحق المصلين على بعضهم، ولبس الثياب النظيفة إظهار للوقار والاحترام لشعيرة الجمعة. التهجير إلى المسجد أي المبادر بالذهاب مبكرًا سنة مؤكدة لأن التبكير يهيئ النفس ويتيح الفرصة للجلوس في الصفوف الأولى ويمنح المصلي فراغًا للذكر قبل الخطبة. الإنصات للخطبة وترك اللغو والحديث أثناءها من آداب الجمّة الضرورية لأن الاستفادة من الوعظ مقصود رئيس. كذلك النهي عن المشي بين الناس أثناء الخطبة وترك التشويش على المصلين ودعوة الناس إلى تلطيف أجواء المساجد واحترام قدسية المجلس وخطورة التهوّر فيه. أثر هذه السنن أنها تخلق حالة نفسية وروحية متكاملة تحُفز الخشوع: الطهارة البدنية تؤثر في الطهارة القلبية، والهدوء والانصات يفتحان مجال التأثر بالموعظة، والبذل من المظهر والآداب يعززان شعور الاحترام لله وللجماعة، كل ذلك يؤدي إلى صلاة أكثر قبولًا وتربية مجتمعية تدريجية.

- بيّن فضل صلاة الجماعة وحكمها في المذهب المالكي، مع توضيح العلاقة بين الجماعة والجمعة، واذكر ما يميز صلاة الجماعة في الفرائض اليومية عن صلاة الجمعة الأسبوعية

صلاة الجماعة فضلها واضح، فقد جاء في السنة فضلها المضاعف على صلاة الفذ، وهي عند المالكية سنة مؤكدة في الفرائض اليومية، وتعد فرض كفاية في معنى أن إقامتها في المجتمع يفي عن الباقين إذا شارك بعض الناس فيها لأداء الشعيرة العامة، أما في حالات مخصوصة كصلاة الجمعة فإن الجماعة تكون شرطًا لصحتها وواجبًا للذين توفرت فيهم الشروط. العلاقة بين الجماعة والجمعة أن الجمعة ذروة الجماعة الأسبوعية: إذا تحققت الجماعة يوميًا كانت الجمعة تتوجها في صورة أوسع وأشمل؛ الجمعة لا تُتصور بدون جماعة جامعة، والجماعة في الفرائض اليومية تُعزّز انتظام الشعائر وتربية الجماعة المستمرة، بينما الجمعة تجمع الأمة لأمر خاص عبر الخطبة والركعتين. ما يميّز الجماعة في الفرائض اليومية أنها سنة مؤكدة لا تصح بها الفريضة بالضرورة إذا لم تُقَم ملازمة بخطبة أو حكم خاص، بينما في الجمعة فالجماعة هي شرط لازم لصحتها ووجوبها، أي أنها في الجمعة ليست مجرد سنة بل ركن من أركانها من جهة الاجتماع والخطبة والادراك.

- اذكر الأعذار الشرعية التي تسقط وجوب حضور الجمعة أو الجماعة، كالمطر أو المرض أو الخوف، وبيّن ما يجب على من فاتته صلاة الجمعة من أحكام تتعلق بصلاة الظهر

الفقه المالكي يعتبر أن أسبابًا معينة تسقط وجوب حضور الجمعة أو تصلح كعذر لتركها، ومنها المرض الذي يمنع المصلي من الحضور أو يؤذي غيره، والخوف على النفس أو المال أو العرض، والمطر الشديد الذي يَعرِّض الناس للضرر أو يعرقل الوصول إلى المسجد، والسفر الذي يغير حال الإنسان إلى حالة التنقّل فيُجزئه عن الجمعة، بالإضافة إلى أعذار أخرى ككبار السن الذين لا يطيقون المشاق. عند وجود العذر، يسقط الوجوب ولا يُحمّل المصلي ما يعجز عنه. من فاتته الجمعة بعذر أو لعذرٍ معتبرٍ عليه أن يصلي الظهر في وقتها، لأن الظهر بدل عمل الجمعة في الحكم؛ فإذا فاتته الجمعة ولم يكن له عذر شرعي، فهو آثم ويجب التوبة. أما من فاتته الجمعة لغير عذر مشروع، فإنه يسقط حقه في الجمعة ولا يكفيه مجرد الندم، بل إن الواجب الاستغفار والعودة إلى الانضباط.

- حلّل الحالات التطبيقية التالية: من أدرك الخطبة دون الركعة الأولى، ومن صلى الجمعة في مسجد ثم وجد جمعة أخرى أقيمت في مكان قريب، ومن أدرك ركعة فقط من الجمعة، مع بيان الحكم الفقهي في كل حالة

الحالة الأولى: من دخل المسجد وأدرك الخطبة فقط دون إدراك ركعة كاملة مع الإمام، عند المالكية لم يعد له اعتبار كـ«محض الجمعة» لأن إدراك الركعة شرط لحصول الجمعة، فالخطبة وحدها لا تجزيء المأموم عن الصلاة. الحكم العملي أنه يصلي الظهر أربع ركعات على أن الواجب أن ينجزها في وقتها، لأن الركعة المعتبرة لم تُدرك. هذا تأكيد على أهمية الركعة في التحقق العملي من إدراك الجمعة.
الحالة الثانية: من صلى في مسجد ثم وجد أن جماعة أخرى أقامت جمعة ثانية بعذر مشروع مثل تعذر الخطيب أو تأخر موعد الجامع الأول، فإن إقامة جمعة ثانية مباحة إذا قامت عليها الحاجة الشرعية الشرعية المُوجِبة؛ أما إن كانت الثانية بدون حاجة ولا مبرر، فالإقامة الثانية غير مبررة ومذمومة لأنها تقوّض غاية الاجتماع. إذا وجدت الأعذار أو مشقّة الوصول للجامع الأول فقد تجوز الجمعة الثانية، وإلا فالأساس وحدة الجمعة في البلد.
الحالة الثالثة: من أدرك ركعة واحدة كاملة مع الإمام فقد أجزأته الجمعة في المذهب المالكي، ويُعتبر قد أدرك الفرض؛ أما من أدرك أقل من ركعة كاملة فلا يُجزَأ، ويجب عليه أن يصلي الظهر أربعا، لأن إدراك الركعة هو معيار التكامل. إذا أدرك ركعة كاملة فإنه يكفيه ويكمل مع الإمام ما تبقى من الركعات، ثم لا يقضي بعد ذلك أي قضاء لأن الفرض قد تمّ.

مواضيع ذات صلة

درس تعليمي 19: أحكام السهو والشك في الصلاة عند المالكية: شرح مبسط وأمثلة عملية من متن ابن عاشر؛ 
درس تعليمي 18: مبطلات الصلاة في المذهب المالكي: شرح مبسط معتمد على متن ابن عاشر وأمثلة تطبيقية؛
درس تعليمي 17: أحكام السهو في الصلاة في الفقه المالكي من خلال متن ابن عاشر: بين الضبط الفقهي والتطبيق العملي؛
درس تعليمي 16 : الصلوات وأنواعها في الفقه المالكي من خلال نظم ابن عاشر؛
درس تعليمي 15 : مكروهات الصلاة في المذهب المالكي وفق متن ابن عاشر: أحكامها وأنواعها وأثرها على الخشوع وكمال العبادة؛
درس تعليمي 14: مندوبات الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: أسرار تحسين الخشوع وزيادة الأجر في العبادة؛
درس تعليمي 13: أحكام الأذان وقصر الصلاة في الفقه المالكي: شروطها وأهميتها وفق متن ابن عاشر؛
درس تعليمي 12: سنن الصلاة في الفقه المالكي بين التأكيد والاستحباب وفق متن ابن عاشر؛
درس تعليمي 11: شروط صحة ووجوب الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: شرح وتحليل مفصّل؛
درس تعليمي 10: فرائض الصلاة في الفقه المالكي: شرح وتحليل وفق متن ابن عاشر.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-