درس تعليمي 15 : مكروهات الصلاة في المذهب المالكي وفق متن ابن عاشر: أحكامها وأنواعها وأثرها على الخشوع وكمال العبادة
![]() |
درس تعليمي 15 : مكروهات الصلاة في المذهب المالكي وفق متن ابن عاشر: أحكامها وأنواعها وأثرها على الخشوع وكمال العبادة |
يقول عبد الواحد بن عاشر في مندوبات الصلاة في نظمه المرشد المعين على الضروري من علوم الدين:
وَكَــــرِهُوا بَسْمَـــــلَةً تَــــعَوُّذَا *** فِي الفَرْضِ وَالسُّجُودِ فِي الثَّوْبِ كَذَا
كُورَ عِمَامَةٍ وَبَعْضَ كُمِّهِ *** وَحَمْـــلَ شَيْءٍ فِيــهِ أَوْ فِي فَمِهِ
قِرَاءَةً لَدَى السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ *** تَـــفَـــكُّرَ القَـــلْبِ بِمَا نَـافَى الخُشُوعِ
وَعَبَثًا وَالِالْتِفَاتَ وَالدُّعَا *** أَثْنَــــا قِـــرَاءَةٍ كَـــذَا إِنْ رَكَــعَا
تَشْبِيكَ أَوْ فَرْقَعَةَ الأَصَابِعِ *** تَـــخَـــصُّرًا تَغْمِيـــضَ عَيْنٍ تَابِعِ
تُعد الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، وقد وردت النصوص الكثيرة التي تبين مكانتها ومنزلتها الرفيعة في الدين. فهي عماد الدين وروح العبادة وصلة بين العبد وربه، لذلك فإن المحافظة عليها وإقامتها كما شرع الله هي دليل على صلاح القلب والتزام الجوارح بالطاعة، ولا تقتصر أهمية الصلاة على أدائها في ظاهرها بل تمتد إلى الاهتمام بكل تفاصيلها وأركانها وشروطها وسننها وآدابها حتى تكون مقبولة تامة الأثر في النفس والسلوك، ومن هنا كان لزاما على المسلم أن يتعلم أحكام الصلاة بدقة وأن يحرص على أدائها بإتقان وخشوع.
ولا يمكن تحقيق هذا الإتقان إلا إذا عرف المسلم مراتب الأفعال والأقوال التي تؤدى في الصلاة من حيث الوجوب والندب والكراهة والتحريم، إذ أن الفقهاء صنفوا أفعال العبادات إلى ما هو فرض يجب فعله ويأثم تاركه، وما هو مندوب يستحب فعله ولا يأثم تاركه، ولكنه يفوّت على نفسه أجرا كبيرا، وإلى ما هو مكروه ينبغي تركه لأنه منقص لثواب الصلاة ومخل بخشوعها، وقد يفضي إلى الإخلال بجوهرها، ثم هناك ما هو محرم لا يجوز فعله مطلقا ومن فعله في الصلاة تعمدًا فقد أبطلها أو أتى بمعصية فيها.
أما المندوبات فهي الأعمال التي يستحب الإتيان بها في الصلاة مثل التسبيح في الركوع والسجود، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وقول آمين بعد الفاتحة، وكل هذه الأعمال تزيد الصلاة كمالا وتعود النفس على الطاعة والانضباط ولكن تركها لا يبطل الصلاة ولا يوجب سجود السهو.
وأما المكروهات فهي الأعمال التي لا تصل إلى حد التحريم ولكن الأفضل تركها لما فيها من تقليل الخشوع أو مخالفة الهيئة المشروعة للصلاة، ومن أمثلتها الالتفات في الصلاة أو تشبيك الأصابع أو العبث بالملابس أو البدن أثناء الصلاة.
وأما المحرمات فهي التي يجب اجتنابها في الصلاة لأنها تبطلها أو تجعلها غير مقبولة مثل الكلام العمد بغير الذكر أو الدعاء، أو الضحك أو الأكل والشرب في الصلاة، فكل هذه مما يتنافى مع حقيقة الوقوف بين يدي الله.
ومن هنا تظهر أهمية التفقه في هذه التفاصيل ومعرفة الفرق بين المندوب والمكروه والحرام، حتى يؤدي المسلم صلاته بإتقان ويُقبل على ربه بقلب حاضر وجوارح خاشعة، فالصلاة ليست فقط طقسا حركيا بل هي عبادة روحية عميقة تتطلب العلم والخشية والانضباط.
مكروهات الصلاة من خلال من ابن عاشر
مما نص عليه ابن عاشر في باب مكروهات الصلاة ما يجلي الحرص في هذا المذهب على كمال هيئة المصلي وخشوعه وحضوره، ومن ذلك كراهة الإتيان بالبسملة والتعوذ في صلاة الفريضة، أما في النوافل فهما مشروعان مستحبان لما فيهما من مزيد التوجه والتوسل، ومن المكروه أيضًا أن يسجد المصلي على ثوب غليظ يقصد من خلاله الترفع عن الأرض، لأن في ذلك تعاليا ينافي الذلة والخضوع بين يدي الله تعالى، كما يكره السجود على كور العمامة وهو موضع لفّها على الرأس، إذ يمنع الجبهة من مباشرة الأرض كاملة، وهو ما يخالف الهيئة المشروعة في السجود.
ويكره كذلك السجود على طرف الكم لما فيه من حائل غير ضروري بين الجبهة وموضع السجود، ويضاف إلى ذلك كراهة حمل شيء في اليد أو في الكم أو الفم أثناء الصلاة، لأن من شأن ذلك أن يذهب خشوع المصلي ويشوش عليه حضوره الذهني والقلبي، ومن المكروه أيضًا أن يقرأ المصلي شيئًا من القرآن في حال الركوع أو السجود، لأن هذين الموضعين موضعا تعظيم وتسبيح ودعاء لا قراءة، ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن فيهما.
ويعد تفكر القلب بما ينافي الخشوع من أمور الدنيا من المكروهات، إذ إن الصلاة محل حضور واستحضار عظمة الله لا مكان فيها لانشغال القلب بما لا يليق، ويقارب ذلك في المعنى العبث أثناء الصلاة، سواء بتحريك اللحية أو لمس الثياب أو تحريك الخاتم أو العبث بالساعة ونحو ذلك، فإن هذه الحركات لا تليق بحال الوقوف بين يدي الله تعالى، ومثل ذلك الالتفات أثناء الصلاة، لأن فيه صورة من الإعراض عمن يناجيه العبد، وفتحًا لباب وسوسة الشيطان، في حين ينبغي أن يكون المصلي مقبلًا على ربه بجسده وروحه.
ومن المكروه كذلك الدعاء أثناء القراءة أو الركوع لأنه يشوش ترتيب الأذكار ويخل بالتناسب بين هيئات الصلاة، فالدعاء له مواضعه المشروعة، وليس من المناسب إقحامه حيث لم يُشرع، ويكره أيضًا تشبيك الأصابع لما فيه من فعل غير لائق بالصلاة، وكذلك فرقعة الأصابع لأنها تشوش السكون والخشوع، ومما يكره كذلك التخصر، وهو أن يضع المصلي يده على خاصرته، لأن فيه هيئة كِبر وتكبر، وخروجًا عن هيئة التواضع، ويكره كذلك تغميض العينين في الصلاة من غير سبب، لأن فيه شَبَهًا بأهل الباطل وقد يؤدي إلى الغفلة، إلا إن كان يغمضها دفعًا لتشويش أو زينة أمامه فذلك لا يكره.
فهذه المكروهات وإن لم تُبطل الصلاة إلا أن اجتنابها يدل على تمام الأدب وحسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويُعين على تحقيق مقصود الصلاة الأعظم وهو الخشوع والخضوع لله تعالى.
مفهوم المكروه في الصلاة
عند الحديث عن مكروهات الصلاة في الفقه المالكي لابد أولًا من الوقوف عند مفهوم المكروه من حيث اللغة والاصطلاح، فالمكروه في اللغة: هو كل ما تنفر منه النفس وتنقبض عنه الطباع ولا تميل إليه الرغبة. أما في الاصطلاح الفقهي: فهو ما طلب الشارع تركه لا على وجه الإلزام أي أن فعله لا يُؤثم عليه العبد لكنه يخالف الأولى ويُنقص من كمال العمل، وهذا التعريف ينبني عليه كثير من التطبيقات العملية خاصة في باب العبادات ومنها الصلاة.
وقد ميز الفقهاء بين نوعين من المكروه وهما المكروه التنزيهي والمكروه التحريمي، فالمكروه التنزيهي: هو الذي يُستحب تركه ولا يُذم فاعله ولكنه فاته الفضل وهو أقرب إلى المباح من جهة الحكم إلا أن الترك أولى وأقرب إلى التقوى، ومن أمثلته في الصلاة العبث القليل أو الالتفات اليسير. أما المكروه التحريمي: فهو الذي يُطلب تركه طلبًا جازمًا ولكن بدون أن يكون هناك دليل قطعي يوجب التحريم، كترك الطمأنينة في الركوع والسجود عمدًا، أو التطوع في أوقات النهي عند من يرى كراهته، فالمكروه التحريمي أقرب إلى الحرام وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه يأثم فاعله.
وتتجلى الحكمة من النهي عن المكروهات في الصلاة في عدة جوانب، أولها حماية روح الصلاة وصيانة جوها العام من كل ما يشوش على الخشوع أو يشغل القلب عن التدبر، فإن المكروهات في غالبها أمور تنافي الخضوع الكامل لله تعالى أثناء الوقوف بين يديه. وثانيها تحقيق الانضباط الظاهري في أفعال المصلين بما يعكس الأدب مع الله والالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في أداء الصلاة. وثالثها تنمية الحس الشرعي لدى المسلم في التفريق بين مراتب الأفعال وتعليمه أن الدين لا يقوم على المحظورات والمحرمات فحسب بل يشمل أيضًا تجنب المكروهات مراعاة للآداب الشرعية.
إن النهي عن المكروهات ليس لمجرد التشديد على الناس أو التضييق عليهم، بل هو دعوة إلى الكمال وطلب للأفضل والأكمل، ولذلك فإن المصلين الذين يحرصون على اجتناب المكروهات ترتقي صلاتهم في الخشوع والطهارة المعنوية، وتكون أقرب إلى القبول والمثوبة بإذن الله، وهذا يُعلّم المسلم أن العبادة ليست مجرد أداء بل هي تهذيب وتربية وارتقاء في مقامات القرب من الله.
أنواع المكروهات في الصلاة
تُعدّ الصلاة من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وقد جاءت الشريعة بإحاطتها بمجموعة من الآداب والأحكام التي تحفظ لها هيبتها وكمالها، ومن تلك الأحكام ما يتعلق بالمكروهات التي ينبغي للمصلي أن يتجنبها حتى تكون صلاته تامة مرضية. وقد اهتم الفقهاء ببيان أنواع المكروهات في الصلاة باعتبارها من الأمور التي تنقص أجر المصلي أو تضعف خشوعه، وإن كانت لا تبطل الصلاة في الغالب. فالمكروه في الصلاة ليس مجرد أمر شكلي بل له أثر على روح العبادة وعلى أدب الوقوف بين يدي الله عز وجل. وتتنوع هذه المكروهات بين مكروهات قولية وفعلية، ومكروهات تتعلق بالهيئة أو الزمان أو المكان. والوقوف عند هذه الأنواع بتفصيلها وفهم الحكمة من النهي عنها يُعدّ من تمام فقه الصلاة ومن علامات تعظيم شعائر الله في القلوب.
مكروهات تتعلق بالفعل أو الحركة
من المكروهات التي ينبغي للمصلي أن يتجنبها في صلاته تلك التي تتعلق بالفعل أو الحركة أثناء أداء العبادة، فهي من الأمور التي تُخلّ بخشوع الصلاة وتُضعف الحضور القلبي فيها وإن لم تبطلها. ومن أبرز هذه المكروهات كثرة الالتفات وهو أن يكثر المصلي من تحريك رأسه أو نظره يمينًا وشمالًا دون حاجة معتبرة، فيخرج بذلك عن حال الخشوع والسكينة التي هي روح الصلاة ومحل القبول فيها. وقد جاء في الحديث أن الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، فهو علامة على غفلة القلب وتشتت الذهن وإن كان الالتفات القليل لحاجة فلا كراهة فيه، أما إن كان بدون سبب واضح وبصورة متكررة فهو مكروه باتفاق العلماء.
ومما يندرج في هذا الباب أيضًا اللعب بالثياب أو البدن كأن يعبث المصلي بأكمام ثوبه أو عباءته أو أن يكثر من حك جسده أو لمس وجهه أو لحيته أو يكثر من تحريك أعضائه بغير حاجة، فكل هذه الأفعال تُذهب هيبة الصلاة وتجعلها أقرب إلى العادة منها إلى العبادة. لذلك استقرت أقوال فقهاء المالكية على كراهة هذه التصرفات لما فيها من مخالفة لما هو مطلوب من الوقار والطمأنينة في الصلاة، ولما فيها من إشغال النفس عن المقصود الأعظم وهو مناجاة الله والتذلل بين يديه.
ومن المكروهات المتعلقة بالحركة أيضًا تشبيك الأصابع وهو أن يدخل المسلم بعض أصابعه في بعض سواء كان ذلك في حال القيام أو الجلوس أو أثناء قراءة القرآن أو الدعاء، وذلك لما فيه من صورة اللعب والانشغال. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تشبيك الأصابع في المسجد وفي طريق المصلي إلى الصلاة، فدل ذلك على أن هذه الهيئة غير لائقة بحال من يقف بين يدي ربه، بل إن بعض العلماء رأى أن التشبيك لا يليق حتى خارج الصلاة لما فيه من هيئة تدل على قلة الاهتمام وعدم التفرغ للعبادة.
فجميع هذه المكروهات وإن لم تُفسد الصلاة إلا أنها تنقص من أجرها وتُضعف أثرها في النفس وتُنافي مقصود الخشوع والإقبال على الله تعالى، ولذلك وجب التنبه لها والحرص على تجنبها قدر المستطاع خاصة في زمن كثرت فيه الملهيات وضعف فيه حضور القلب في العبادة.
مكروهات تتعلق بالهيئة واللباس
من المكروهات التي نص عليها فقهاء المذهب المالكي تلك المتعلقة بهيئة المصلي ولباسه إذ إن هيئة الشخص أثناء الصلاة تدل على مدى احترامه لهذه العبادة العظيمة وتعكس مدى استحضاره لعظمة المقام الذي يقف فيه بين يدي ربه، ومن أولى ما يُراعى في الهيئة واللباس أن يكون اللباس خالياً من الصور والكتابات التي تشوش الذهن وتخطف البصر، فإن صلى الإنسان بثوب فيه رسوم لذوات الأرواح أو أشكال ملفتة للنظر أو كتابات بارزة تثير الانتباه، فإنه يكون قد أتى مكروها لما في ذلك من التشويش على نفسه وعلى من يصلي بجانبه. فالصلاة مقام خضوع وخشوع وكل ما من شأنه أن يثير التشتت الذهني أو يلفت الأنظار من غير ضرورة فهو من المكروهات التي ينبغي اجتنابها، ولذلك كان من أدب الصلاة أن يختار المصلي لباسا سابغا ساترا هادئا لا يحتوي على زخارف ولا نقوش تبعد عن الخشوع أو تسبب النفور.
كما نص العلماء على كراهة الصلاة وقد انكشف العاتق أو الكتف خصوصا عند الرجل مع قدرته على ستره، فإن الصلاة مع كشف الكتفين قد لا تُخل بشرط الستر الكامل لكنها تخل بأدب الوقوف بين يدي الله تعالى، فاللباس في الصلاة ليس مجرد تغطية للعورة الظاهرة بل هو تعبير عن التهيؤ للعبادة والتزين لها بالستر التام، فإذا تعمد المصلي أن يصلي برداء يكشف عاتقه وهو قادر على ستره فإن صلاته تكون صحيحة لكنها ناقصة في الكمال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء"، وهو توجيه نبوي يفيد أن ستر العاتق داخل في تمام الهيئة المستحبة في الصلاة ولو لم يكن فرضا.
ولذلك فإن فقه المكروهات المتعلقة باللباس لا ينبني فقط على اعتبارات الطهارة أو العورة، وإنما يتجاوز ذلك إلى ما يليق بجمال الصلاة وروحها وحقيقتها. فاللباس اللائق يعكس الاهتمام والهيبة والاستعداد النفسي لأداء فريضة تعد عماد الدين وروح التعبد في حياة المسلم، وهذا الحرص من فقهاء المذهب المالكي يدل على نظرتهم المتكاملة إلى الصلاة من حيث الصورة والجوهر، فهم يرون أن إتقان الظاهر مدخل لإصلاح الباطن وأن الهدي الظاهري سبيل للوصول إلى الخشوع الحقيقي في الصلاة.
مكروهات تتعلق بالمكان
من جملة المكروهات التي ينبغي على المصلي أن يتجنبها ما كان منها متعلقا بالمكان الذي يؤدي فيه الصلاة، وذلك لأن هيئة المكان ومدى طهارته وهدوئه تسهم بشكل كبير في إعانة المصلي على الخشوع والسكينة والانتباه في أداء هذه العبادة العظيمة، ومن أبرز هذه المكروهات الصلاة في موضع تُوجد فيه نجاسة غير ظاهرة، أي أن المصلي يصلي وهو لا يعلم بوجود النجاسة، فإن علم بعد الصلاة فصلاته صحيحة عند جمهور العلماء ولا إثم عليه، لكن إن تكرر منه ذلك دون احتياط أو تحرٍ فالأمر يجر إلى التهاون بالطهارة الواجبة والتي هي شرط من شروط صحة الصلاة، ومن هنا كان من الأدب الفقهي ومن الورع اجتناب المواضع التي يُحتمل وجود النجاسة فيها كأماكن الدواب أو الأماكن العامة التي لا يُوثق بطهارتها إلا بعد التأكد.
كما تُعد الصلاة أمام النار مكروهة لما فيها من مشابهة لعبادة المجوس الذين يعظمون النار ويسجدون لها، فالمصلي إن وقف يصلي تجاه نار متقدة كموقد نار أو مدفأة أو شمعة مشتعلة فإنه قد يلتبس أمره على غيره، أو يفسد هيئة صلاته بما يشوش عليه من حرارة اللهب وحركته المستمرة، وهذا ينافي حال الخشوع المطلوب في الصلاة، وإن كانت هذه المكروهية لا تفسد الصلاة من حيث الصحة، لكنها تُنقص من كمالها وتجرّ إلى مخالفة الهدي النبوي في تحري الأماكن التي تعين على التركيز والإقبال على الله تعالى.
ومن المكروهات أيضا الصلاة تجاه شخص نائم خاصة إذا كان مستلقيا أمام المصلي في قبلة الصلاة، فإن هذا يُذهب بالتركيز ويُسبب التشويش وربما وقع نظر المصلي على جسد النائم بحكم الحركة أو هيئة النوم، فينصرف ذهنه عن تدبر الأذكار والقرآن بل إن بعض العلماء أشار إلى أن النوم أمام المصلي ينافي هيئة الخشوع المطلوبة في المكان، لأنه يشيع حالة من التراخي والكسل وربما استحضر المصلي حال النائم بدلا من استحضار عظمة الله في قلبه.
وبناء على هذا فإن فقهاء المذهب المالكي وغيرهم من أهل العلم قد حرصوا على التنبيه إلى ضرورة اختيار موضع الصلاة بعناية واهتمام، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يخل بهيئة الصلاة أو ينقص من ثوابها، لأن الصلاة لا تقتصر على حركات ظاهرية وإنما هي مقام وقوف بين يدي الله تعالى ولابد أن تكون بيئتها مهيئة لقبول هذه المناجاة العظيمة.
مكروهات تتعلق بالقول
من المكروهات التي اعتنى بها فقهاء المذهب المالكي تلك المتعلقة بالأقوال التي تصدر من المصلي أثناء صلاته، سواء أكانت هذه الأقوال من جنس ما هو مشروع في الصلاة، أو مما ألحق به من حيث المعنى والمقصد. فالصلاة عبادة تقوم على الخشوع والسكينة والخضوع التام لله عز وجل وكل قول يخرج عن هذا المعنى أو يخل به يعد مكروها، لما فيه من التشويش على روح العبادة أو مجاوزة حدود الاعتدال الذي هو سمة هذا الدين العظيم.
ومن ذلك التمطيط في القراءة وهو المبالغة في مد الحروف أو إطالة الصوت بما يخرج القراءة عن حد الترتيل المشروع، فإن المطلوب شرعا في تلاوة القرآن أثناء الصلاة أن يكون المصلي قارئا بتؤدة وترتيل من غير تعسف ولا مبالغة، فإن زاد عن الحد المطلوب فبالغ في تطويل الحروف ومدها مدّا يشبه التغني الزائد أو خرج به عن الفطرة السليمة صار ذلك مكروها، لأنه يخالف سنن التلاوة الصحيحة ويحول الصلاة إلى أداء صوتي لا روح فيه، وقد يؤدي إلى الرياء أو الإعجاب بالنفس فيضيع الخشوع الذي هو روح الصلاة ومقصدها الأسمى.
كما أن التكلف في القراءة هو الآخر من المكروهات، كأن يتعمد المصلي استعمال نبرة معينة أو أداء متكلف يظهر به جمال صوته أكثر مما يستحضر عظمة من يخاطبه في صلاته، فالتكلف في القراءة ينقص من كمال الصلاة، لأنه يشغل القلب بالمظهر عن الجوهر ويُضعف الإخلاص الذي ينبغي أن يلازم كل حرف يلفظه المصلي وهو واقف بين يدي الله تعالى، ولهذا كان السلف يكرهون الغلو في تحسين الصوت إذا خرج عن حد الاعتدال لأن المقصد هو فهم المعاني وتدبرها لا مجرد إظهار الصوت والتغني به.
فجملة هذه المكروهات القولية ترشد المصلي إلى أن المحافظة على ألفاظ الصلاة ليست فقط في مطابقة الحروف والأصوات، وإنما في ضبط المقاصد وتحقيق الخشوع والسير على السنة من غير زيادة ولا نقصان وهذا هو تمام الفقه في العبادة.
مكروهات تتعلق بالحال القلبي
تندرج ضمن مكروهات الصلاة في المذهب المالكي تلك الأمور المتعلقة بالحال القلبي، أو ما يعترض النفس من أحوال داخلية تؤثر في التركيز وتضعف حضور القلب في الصلاة، وهي مكروهات لا تُرى بالعين ولا تتعلق بالحركة الظاهرة أو القول الملفوظ، وإنما ترتبط بما يجري في داخل النفس من انشغال أو اضطراب أو توتر يمنع تحقق الخشوع المطلوب وهو لبُّ الصلاة وروحها الأعظم.
ومن أبرز هذه المكروهات أن يصلي المرء وهو في حال مدافعة البول أو الغائط، فهذه الحال تورث انشغالا ذهنيا وتوترا داخليا يجعل القلب غير مقبل على الصلاة بل تراه متلهفا للفراغ منها ليقضي حاجته، فيفقد بذلك الطمأنينة والتركيز ويغيب عنه حضور القلب، وهذه المدافعة وإن لم تكن مفسدة للصلاة من حيث الصحة إلا أنها تخل بكمالها وتخرج بها عن حال الوقار والانكسار بين يدي الله عز وجل.
ومثل ذلك أيضا الصلاة في حال الجوع الشديد وخاصة إذا حضر الطعام الذي تشتهيه النفس، فإن الإنسان إذا دخل الصلاة وهو جائع وفي نفس الوقت موضوع الطعام أمامه أو كان منشغلا بما سيوضع له بعد حين فإن فكره سيتعلق بما يأكل وستنصرف نفسه إلى ما يشتهيه من غير أن يشعر، فتصبح حركات الصلاة أقرب إلى العادة منها إلى العبادة. وهذا من أعظم أسباب فقدان الخشوع والحرمان من نور المناجاة، ولهذا جاء في الحديث النبوي "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان" في إشارة واضحة إلى أن هذه الأحوال تذهب بكمال الصلاة ووقارها.
ومن الأحوال القلبية المكروهة أيضا أن يدخل المصلي صلاته وهو في حال نعاس غالب يغلب على سمعه وبصره ويشوش عليه ألفاظ القراءة وأفعال الصلاة، فإن النعاس إذا تغلب على المرء فقد قدرته على التمييز وربما أسقط بعض الأركان أو أخلّ بالترتيب وهو لا يدري، وربما تلفظ بكلام لا يعيه وهذا كله مخلّ بقدر الصلاة الواجب منها والمسنون ويخالف المقصود منها وهو المناجاة والفهم والتدبر.
فالصلاة في هذه الأحوال القلبية تكون صحيحة من حيث الصورة ولكنها ناقصة من حيث الروح والمعنى، ولهذا نهى الفقهاء عن الدخول في الصلاة مع وجود هذه العوارض، ورغبوا في التهيؤ التام لها واستحضار حال السكون الظاهري والباطني. لأن المقصود من الصلاة ليس مجرد الأداء بل تمام الحضور والخضوع لله تعالى، وهذا لا يتحقق إلا بقلب مستقر ونفس ساكنة بعيدة عن كل ما يشتت ويشوش ويقلق.
أمثلة من مكروهات الصلاة في المذهب المالكي
تُعد كتب المذهب المالكي كمتن ابن عاشر والرسالة لابن أبي زيد القيرواني من أهم المصادر التي تناولت مكروهات الصلاة بإيجاز وتركيز، مع بيان أثرها في كمال الصلاة وأدائها على وجه الخشوع والمراقبة، فقد تضمنت هذه المصنفات الفقهية مجموعة من المكروهات التي ينبغي على المصلي أن يتجنبها حرصًا على تحسين صلاته وتحقيق مقصودها الأسمى وهو الصلة بالله تعالى والتفرغ لذكره دون انشغال أو تشويش.
من بين أبرز هذه المكروهات التي أشار إليها المالكية الالتفات في الصلاة بغير حاجة وهو التفات الطرف أو الوجه عن جهة القبلة دون موجب ضروري، فإنه وإن لم يبطل الصلاة إلا أنه يخلّ بحالة التوجه الكامل والانقطاع إلى الله وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، فهو أمر يعبّر عن تشتت القلب الذي ينعكس على الجوارح فيضعف أثر الصلاة في النفس ويقلل من ثمرتها.
ومما ذكر كذلك من المكروهات تشبيك الأصابع داخل الصلاة فإن فعل ذلك يعبر عن غفلة أو عبث غير لائق بحالة الوقوف بين يدي الله، وفيه تشويش على النفس وربما على من حول المصلي أيضًا، وكذلك اللعب بالثياب أو العبث باللحية أو الوجه فإن ذلك كله من علامات قلة الخشوع وغياب المهابة المطلوبة في الصلاة، وقد اتفقت كتب المالكية على التنبيه لهذه الأمور التي لا تليق بمقام العبودية في أقدس لحظات العبد مع خالقه.
ومن المكروهات التي تعرض لها الفقهاء المالكية أيضا رفع البصر إلى السماء أثناء الصلاة لما فيه من مخالفة للهدي النبوي، ولما يدل عليه من غياب التواضع والخشوع في حضرة الرب العظيم، وقد ثبت النهي عنه في الأحاديث كما أن فيه شبهًا بتشاغل البصر عن موضع السجود وهو الموضع الذي يُستحب للمصلي أن يثبّت بصره فيه محافظة على خضوعه وسكينته.
كما عدّوا من المكروهات الصلاة في مكان فيه لهو أو أصوات أو صور مزخرفة تلهي المصلي عن تركيزه، فإن كثرة الزخرفة في فرش المسجد أو الثياب أو وجود رسوم وصور في مكان الصلاة من شأنها أن تشغل البصر وتشتت الفكر، ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألقى خميصة كانت مزخرفة وأمر بردها لأنه انشغل بنقشها أثناء الصلاة.
وفي كتاب الرسالة وغيره من كتب المذهب جاء التحذير من الصلاة بحضرة طعام تشتهيه النفس، أو مع مدافعة الأخبثين البول والغائط ،لما في ذلك من منازعة بين شهوة النفس وأداء العبادة وهو أمر يقلل من صفاء الحضور بين يدي الله ويجعل الصلاة وسيلة للاستعجال لا للطمأنينة.
كل هذه الأمثلة توضح أن المكروهات في الفقه المالكي وإن لم تُبطل الصلاة فإن اجتنابها مطلوب شرعًا لتحصيل الخشوع والمحافظة على هيبة الصلاة وجلالها، كما أنها تعكس حرص الشريعة على كمال العمل لا على مجرد صحته وهذا من خصائص الفقه المالكي الذي يهتم بمقاصد الأعمال وأثرها في السلوك والنية والروح.
الفرق بين ترك المكروه وترك الركن أو الواجب
إن الفرق بين ترك المكروه وترك الركن أو الواجب في الصلاة يُعد من الفروق الدقيقة والمهمة في فقه العبادات عمومًا وفي فقه الصلاة على وجه الخصوص، ذلك أن لكل نوع من هذه الأنواع حكمه وآثاره التي تترتب عليه شرعًا سواء من جهة الصحة أو من جهة الكمال، فالرُكن في الصلاة هو ما لا تصح الصلاة بدونه أصلًا كتكبيرة الإحرام، أو الركوع أو السجود، ومن ترك ركنًا متعمدًا أو سهوًا ولم يأتِ به فإن صلاته باطلة، ويجب عليه إعادتها. أما الواجب فهو ما لا تبطل الصلاة بتركه سهوًا ولكن يجب جبره بسجود السهو، ويُعد تعمد تركه مخالفًا للهيئة الشرعية للصلاة وقد يوقع صاحبه في الإثم عند بعض العلماء.
أما المكروه فهو ما نهى الشرع عنه نهيًا لا يصل إلى درجة التحريم، وهو لا يُبطل الصلاة عند فعله وإنما يُنقص من كمالها وحُسنها ويقلل من أثرها في النفس وثوابها عند الله. فالمكروه لا يُوجب سجود السهو عند تركه كما أنه لا يُفسد الصلاة بفعله، ومع ذلك فإن ترك المكروه يُعد من علامات اهتمام العبد بعبادته وحرصه على تقديمها على وجه يرضي الله سبحانه وتعالى ويقربه منه أكثر.
ومن هنا يظهر جليًا أن فعل المكروه في الصلاة ليس كفعل المحرم ولا كترك الفرض أو الركن، فلو فعل المصلي مكروهًا كأن التفت بغير حاجة، أو شبّك أصابعه، أو عبث بثيابه، لم تُبطل صلاته ولكنه يكون قد نقص من هيبة موقفه، وركن من أركان الخشوع الذي هو روح الصلاة وسرها. فالصلاة ليست مجرد حركات بل هي توجه قلبي وسكون في الجوارح وخضوع للرب جل جلاله، وفعل المكروه يُعد نوعًا من التشويش على هذا المعنى العميق وإن لم يكن في حد ذاته موجبًا للبطلان.
وعليه فإن الفقهاء لما قسموا الأفعال في الصلاة إلى أركان وواجبات وسنن ومندوبات ومكروهات، فإنهم إنما قصدوا من ذلك تربية المسلم على مراتب الإتقان وتحقيق معاني الإحسان في عبادته، فترك المكروه يُعبر عن حرص المؤمن على أن تكون صلاته أقرب إلى صلاة الخاشعين الموقنين وهو سلوك يدل على كمال الأدب مع الله تعالى.
والمكروهات وإن لم تكن محرّمة فإن تكرارها أو التهاون بها قد يُفضي إلى الاستخفاف بالصلاة في نفسها، ويجرّ العبد إلى التساهل في غيرها من الأحكام الشرعية، ولهذا أكد العلماء على ضرورة معرفتها وتعليمها لتربية النفس على الاجتهاد في الطاعات وتجنّب ما يشوش صفاء القلوب ويضعف أثر العبادات في السلوك والمقاصد.
في النهاية فإن من تمام الفقه في الدين أن يعرف المصلي هذه المراتب، ويحاول أن يرقى من مرتبة أداء الواجبات فقط إلى مقام الإحسان الذي يترك فيه المكروه حبًا لله وتعظيمًا له وطلبًا للزيادة من رضاه وثوابه.
القيم التربوية المستفادة من تجنب المكروهات
إن تجنب المكروهات في الصلاة لا يعد مجرد التزام شكلي ببعض آداب العبادة، بل هو في عمقه تربية روحية وأخلاقية لها آثار عظيمة في بناء شخصية المسلم وسلوكه اليومي. فعندما يحرص المصلي على الابتعاد عن المكروهات فإنه بذلك يربّي نفسه على الانضباط والالتزام بتفاصيل ما يحبه الله ويرضاه، وهذا السلوك المتكرر داخل الصلاة ينعكس شيئًا فشيئًا خارجها فيصبح ديدن الإنسان في حياته كلها الحرص على تجنب ما هو أقل كمالًا، ولو لم يكن محرمًا مما يربي فيه دقة الضمير وحيوية الإيمان.
ومن القيم التربوية التي تغرسها مجانبة المكروهات في الصلاة قيمة الخشوع، فالمكروهات كثير منها يتعلق بالحركة أو العبث أو الالتفات وكل هذه الأفعال تشتت القلب وتبدد حضور العقل في لحظة الوقوف بين يدي الله، فعندما يحرص المصلي على ترك هذه المكروهات فإنه بذلك يدرب قلبه وجوارحه على الخضوع التام والانصراف الكامل عن الدنيا في تلك اللحظات العظيمة التي يخاطب فيها العبد ربه ويقف بين يديه.
كما أن تجنب المكروهات يُعد علامة على حرص المسلم على كمال العبادة، إذ لا يكتفي بأداء الفروض والواجبات فقط بل يسعى إلى أداء الصلاة على أتم وجه وأحسن حال، وهذه الروح هي التي تقود العبد إلى مراتب الإحسان حيث يعبد الله كأنه يراه، وهي غاية ما يدعو إليه الإسلام في تربية الإنسان على الصدق والإخلاص والتحري في العمل.
ويتحقق كذلك من خلال تجنب المكروهات معنى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، إذ إن سنته الكاملة تشمل الأفعال وترك ما كرهه رسول الله أو ما نهى عنه نهيًا غير جازم، هو نوع من التأسّي المحمود الذي يعمّق حبّ النبي في قلب المسلم ويزيد من ارتباطه بسيرته وأخلاقه وهديه الشريف، ومن تربى على الاقتداء بالنبي في صلاته سيسعى للاقتداء به في سائر أحواله وأخلاقه.
ثم إن هذا الانضباط في الصلاة يعلّم المسلم أن يكون منضبطًا في حياته كلها، فكما لا يُرضي الله أن يؤدي عبده الصلاة وهو في حال تشتت أو عبث، فكذلك لا يُرضيه أن يراه في حياته يتهاون في مسؤولياته أو يهمل ما طُلب منه على وجه الكمال. فالصلاة بذلك تتحول إلى مدرسة للتربية المتكاملة على الدقة والنظام والإخلاص في كل ما يقوم به الإنسان من أعمال.
ومن القيم التربوية العظيمة كذلك أن ترك المكروهات يربي في النفس الشعور برقابة الله والخوف من الوقوع فيما يُضعف أثر الطاعة وإن لم يُبطلها، فالمسلم عندما يتجنب هذه المكروهات كمن يقول بلسان حاله يا رب لا أريد فقط أن تؤدي صلاتي وظيفتها في إسقاط الفرض، بل أريدها أن ترفعني في درجات القرب إليك وتزكي قلبي وترتقي بإيماني.
وعليه فإن المسلم الذي يتجنب المكروهات في صلاته، ليس فقط أكثر حرصًا على صحة عبادته بل هو أكثر قربًا من الله ووعيًا برسالة الصلاة التربوية التي تُصلح ما فسد من قلبه، وتنظّم ما اضطرب من سلوكه. فيكون في عبادته وسلوكه نموذجًا للعبد المخلِص الذي يسعى لأن تكون حياته كلها على نسق الصلاة في خشوعها وانضباطها وكمالها.
أسئلة التقويم والإجابة عنها
- ما المقصود بالمكروه في الصلاة لغة واصطلاحًا؟ وما الفرق بين المكروه التنزيهي والتحريمي؟
المكروه في اللغة: هو ما كرهه الإنسان ونفر منه طبعه. أما في الاصطلاح الفقهي فهو ما طلب الشارع تركه طلبًا غير جازم، أي أنه منهي عنه لا على وجه التحريم.
المكروه التنزيهي هو ما يثاب تاركه امتثالًا ولا يعاقب فاعله، مثل التخصر في الصلاة أو العبث بالثياب. أما المكروه التحريمي، فهو ما قارب الحرام لكنه لم يصل إلى درجته، فيكون فاعله آثمًا في بعض الحالات عند المالكية، لكنه لا تُبطل به الصلاة إلا إذا اقترن بمنافٍ آخر، وهو قليل في أبواب الصلاة. والتمييز بين النوعين مهم حتى لا يُسوّى بين مكروه يُرجى تركه ومكروه يُخشى إثمه.
- اذكر ثلاثة أمثلة من المكروهات التي تتعلق بالحركة أو الفعل في الصلاة، مع بيان العلة الشرعية في كراهتها
من أمثلة المكروهات الحركية في الصلاة: - الالتفات وهو أن يدير المصلي وجهه أو نظره عن القبلة، وقد نُهي عنه لأنه مظنة غفلة عن الله وإقبال على غيره. - العبث باللحية أو الثوب أو الخاتم، لأن هذا يُضعف خشوع المصلي ويُذهب هيبة الصلاة. - تشبيك الأصابع أو فرقعتها أثناء الصلاة، لما في ذلك من العبث والتشويش وإشغال النفس والجوارح بما لا يليق في حال المناجاة. فكل هذه المكروهات تنقص من حضور القلب ومن كمال الخشوع المطلوب في الصلاة.
- ما حكم الصلاة في مكان به نجاسة غير معلومة، أو أمام نار مشتعلة أو شخص نائم؟ وهل تُبطل الصلاة بذلك؟
إذا صلى الشخص في موضع به نجاسة لا يعلم بها فصلاته صحيحة عند المالكية لكنها مكروهة، لأنها جرت في محل لا يليق بالتطهر. أما الصلاة أمام نار مشتعلة أو أمام شخص نائم، فكذلك تُعد مكروهة، لأن النار من شعائر المجوس والنائم قد يكون مظهره منافٍ للخشوع، فكلاهما يشتت التركيز ويذهب المهابة. ورغم أن هذه الأمور لا تُبطل الصلاة، إلا أن تجنبها يُظهر حرص المسلم على أداء عبادته على أكمل وجه.
- ما المقصود بالمكروهات المتعلقة بالهيئة واللباس؟ واذكر مثالين عليها مع تعليل كراهتهما
المكروهات المتعلقة بالهيئة واللباس هي ما يرتبط بلباس المصلي أو هيئته الظاهرة أثناء الصلاة، وهي تُكره إذا كانت تُشوش على المصلي أو غيره أو تُنقص من هيبة الصلاة. مثال أول: الصلاة بثوب فيه صور أو كتابات، لأنه يشغل المصلي وربما غيره فيتشتت التركيز وتذهب الخشوع. مثال ثان: الصلاة مع كشف العاتق أو الكتف، مع القدرة على ستره، لأن ذلك يُخالف الهيئة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم من إتمام ستر العورة وإظهار الاحترام في الوقوف بين يدي الله. فكلا المثالين يبين أن اللباس غير المناسب يؤدي إلى نقص في كمال الصلاة لا في صحتها.
- اذكر بعض الأمثلة على مكروهات الصلاة كما وردت في نظم ابن عاشر، مع شرح أحدها
من المكروهات التي نظمها ابن عاشر: - كراهة البسملة والتعوذ في الفريضة - كراهة السجود على الثوب أو كور العمامة - كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود - كراهة العبث والالتفات - كراهة التخصر وتغميض العينين. - ومن ذلك مثلًا، كراهة الدعاء أثناء القراءة، لأن الدعاء يشغل عن تلاوة القرآن وقد يخل بترتيب الفرض والسنن في مواضعها، مما يُضعف من جودة الصلاة وروحها.
- ما الفائدة التربوية من اجتناب المكروهات في الصلاة؟ وهل لذلك أثر في سلوك المسلم خارج الصلاة؟
الاجتناب المتعمد للمكروهات في الصلاة يعكس حرص المسلم على التقرب إلى الله بكمال العبودية لا بمجرد تأدية الفرض، ومن شأن ذلك أن يُربي النفس على الخشوع والانضباط والتأدب بين يدي الله. كما أن هذا الالتزام يُنمي ملكة المراقبة والمحاسبة في ذات المسلم، فيغدو أكثر التزامًا في بقية العبادات والمعاملات. فالمصلي الذي يتجنب المكروهات يتدرّب على كبح رغبات النفس وعلى الترفع عن العبث، ما يجعله أكثر وقارًا وأخلاقًا في حياته اليومية أيضًا.
مواضيع ذات صلة
- درس تعليمي 14: مندوبات الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: أسرار تحسين الخشوع وزيادة الأجر في العبادة
- درس تعليمي 13: أحكام الأذان وقصر الصلاة في الفقه المالكي: شروطها وأهميتها وفق متن ابن عاشر
- درس تعليمي 12: سنن الصلاة في الفقه المالكي بين التأكيد والاستحباب وفق متن ابن عاشر
- درس تعليمي 11: شروط صحة ووجوب الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: شرح وتحليل مفصّل
- درس تعليمي 10: فرائض الصلاة في الفقه المالكي: شرح وتحليل وفق متن ابن عاشر
- درس تعليمي 9: التيمم في الفقه المالكي: أسبابه وأحكامه وفق متن ابن عاشر
- درس تعليمي 8 : صفة الغسل وموجباته في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر
- درس تعليمي 7: فرائض الغسل وسننه ومندوباته في الإسلام وفق المذهب المالكي: شرح مفصل من متن ابن عاشر
- درس تعليمي 6: أحكام نواقض الوضوء في الفقه المالكي وأهميتها في صحة العبادة
- درس تعليمي 5 : بعض أحكام الوضوء في الفقه المالكي
- درس تعليمي 4 : سنن الوضوء وفضائله وفق المذهب المالكي
- درس تعليمي 3 "فرائض الوضوء في الفقه المالكي" وفقًا لمتن ابن عاشر
- درس تعليمي 2 : "الطهارة وحكمها في الإسلام"
- درس تعليمي 1 : مياه الطهارة وأحكامها في الفقه الإسلامي