أخر الاخبار

درس تعليمي 14: مندوبات الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: أسرار تحسين الخشوع وزيادة الأجر في العبادة

  درس تعليمي 14: مندوبات الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: أسرار تحسين الخشوع وزيادة الأجر في العبادة

درس تعليمي 14: مندوبات الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: أسرار تحسين الخشوع وزيادة الأجر في العبادة

يقول عبد الواحد بن عاشر في مندوبات الصلاة في نظمه المرشد المعين على الضروري من علوم الدين:

مندوبُها تيامُنٌ معَ السّــــلامِ *** تأمينُ منْ صلّى عدا جهرَ الإمامِ
وقولُ ربّنا لكَ الحمدُ عــدا *** من أمَّ والقنوتُ في الصبحِ بدا
ردًّا وتسبيحُ السّجودِ والرّكوعِ *** ســـدلُ يــدٍ تكبيـــرةٌ مـعَ الشّــروعِ
وبعدَ أن يقومَ من وسطـاهُ *** وعـــقدُهُ الثّـــلاثَ منْ يــمنــاهُ
لدى التّشهدِ وبسطُ ما خلاهُ *** تــحــــريكُ سبّـــابتِها حـينَ تلاهُ
والبطنُ منْ فخذِ رجالٍ يُبعــدون *** ومـــرفقٌ مـــن ركـــبةٍ إذ يســـجدون
وصفةُ الجلوسِ تمكينُ اليدِ *** مـــنْ ركبتـيهِ فـــي الرّكوعِ وزِدْ
نصبُهما قراءةُ المأمومِ فـي *** ســـرّيةٍ وضـــعُ اليـــدينِ فــاقتفِ
لدى السّجودِ حذوَ أذنٍ وكذا *** رفـــعُ اليديـــنِ عنـــدَ الإحرامِ خذا
تطويلُهُ صبحًا وظُهرًا سورتيـن *** تـــوســــطُ الـعشـــا وقـــصرُ البــاقيين
كالسّورةِ الأخرى كذا الوسطى استحـبّ *** ســبـــقُ يـــدٍ وضــعًــا وفـــي الـــرّفعِ الـــرّكب

الصلاة في الإسلام عبادة عظيمة تجمع بين الأقوال والأفعال والأحوال القلبية، وقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحديد فرائضها وسننها ومندوباتها، ولكل منها دورها وأثرها في تحسين أداء الصلاة وتحقيق مقاصدها، فإذا كانت الفرائض هي الأركان الأساسية التي لا تصح الصلاة إلا بها، فإن المندوبات تشكل إطارًا إضافيًا يعزز من كمال الصلاة ويرفع من درجتها ويزيد من خشوع المصلي وحضوره القلبي، والمندوبات في الصلاة وفق الفقه المالكي هي تلك الأفعال والأقوال المستحبة التي لا تبطل الصلاة بتركها ولكنها تزيدها كمالًا وتجعلها أقرب إلى صورة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد فصل علماء المذهب المالكي، ومن بينهم العلامة عبد الواحد ابن عاشر في منظومته المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، فقد ذكر هذه المندوبات مفصلة وبين أحكامها، وذلك لما لها من وفوائده ودورها المهم في تقويم سلوك المصلي وتنمية روحانيته. وفي هذا الدرس، سنتناول مفهوم المندوبات، وحكمها، وأهميتها، مع بيان أبرز الأمثلة العملية عليها، مستدلين بما ورد عن الأئمة والفقهاء، ومحاولين الربط بين الفقه النظري والتطبيق العملي، ليكون المصلي على دراية بما يزيد صلاته كمالًا وحسنًا وخشوعًا.

مندوبات الصلاة من خلال متن ابن عاشر

- التيامن بالسلام بحيث يبدأ المصلي بالالتفات إلى جهة اليمين في التسليمة الأولى .
-  قول آمين بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة وهو مستحب للفذ والمأموم في الصلاة السرية والجهرية وهو طلب الإجابة للدعاء بالهداية الواردة في الفاتحة.
-  قول ربنا ولك الحمد وهو مندوب للمأموم والفذ ويقال بعد القيام من الركوع تضرعًا وشكرًا لله على نعمة التوفيق للطاعة. 
- القنوت في صلاة الصبح ويكون بعد الرفع من الركوع الثاني ولفظه كما ورد في النص هو: "اللّهُمَّ إنّا نَستعينُكَ، ونستغفِرُكَ، ونُؤمِنُ بِكَ، ونتوكَّلُ عليكَ، ونُثني عليكَ الخَيرَ، ونشكُرُكَ، ولا نَكفُرُكَ، ونَخلَعُ ونَترُكُ مَن يَكفُرُكَ. اللّهُمَّ إيّاكَ نَعبُدُ، ولكَ نُصلّي ونَسجُدُ، وإليكَ نَسعَى ونَحفِدُ، نَرجُو رحمتَكَ، ونَخافُ عذابَكَ الجِدَّ، إنَّ عذابَكَ بالكافِرينَ مُلحِقٌ"
- اتخاذ الرداء وهو تغطية الرأس أو الكتفين بلباس مستحب لزيادة السكينة والخشوع في الصلاة. 
- التسبيح في الركوع والسجود بقول "سبحان ربي العظيم" في الركوع و"سبحان ربي الأعلى" في السجود وهو مندوب لتأكيد الذل والخضوع لله تعالى.
-  التكبير عند بداية كل فعل من أفعال الصلاة، إلا في القيام من الجلسة الوسطى، فحتى يستوي قائما. 
- عقد الأصابع الثلاث من اليد اليمنى في التشهد بحيث يعقد الوسطى والخنصر والبنصر ويبسط السبابة والإبهام ويشير بالسبابة أثناء التشهد. 
- تحريك السبابة أثناء التشهد عند ذكر لفظ الجلالة دلالة على التوحيد وتجديد الإيمان بالله تعالى.
- مباعدة الرجل في سجوده بطنه عن فخذيه ومرفقيه عن ركبتيه لتجنب الضيق وتحقيق الخشوع وعدم إيذاء المصلين بجانبه.
- صفة الجلوس المستحبة للتشهد وبين السجدتين وهي الجلوس على القدم اليسرى ونصب القدم اليمنى مع بسط اليدين على الفخذين.
- تمكين اليدين من الركبتين في الركوع بحيث يمسك المصلي ركبتيه بيديه مع بسط الأصابع لتحقيق استواء الظهر وتمام الطمأنينة.
- نصب الركبتين في الركوع بحيث تكون الركبتان قائمتين مشدودتين مما يحقق تمام الوضعية الصحيحة للركوع.
- قراءة المأموم في الصلاة السرية وخاصة في الركعتين الأوليين إذا لم يسمع قراءة الإمام وذلك لتجنب الغفلة وتحصيل الأجر.
- وضع اليدين في السجود بمحاذاة الأذنين بحيث تكون الأصابع مضمومة ومتجهة نحو القبلة لتحقيق التواضع والانكسار.
- رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام إلى محاذاة الأذنين أو الكتفين إشارةً للتعظيم والخشوع عند الدخول في الصلاة.
- تطويل السورتين في الركعة الأولى والثانية من صلاة الصبح والظهر بحيث يقرأ فيهما بآيات طويلة لزيادة الخشوع والتدبر.
- قراءة سورة متوسطة الطول في الركعتين الأوليين من صلاة العشاء بحيث تكون أقصر من سورتي الصبح والظهر.
- قراءة سورة قصيرة في الركعتين الأوليين من العصر والمغرب لكونهما صلاتين متوسطتي الطول.
- تقصير سورة الركعة الثانية عن سورة الركعة الأولى في جميع الصلوات لتأكيد التدرج في الطول والتقصير بما يناسب حال المصلي.
- تقصير الجلسة الوسطى بحيث تكون أخف وأقصر من الجلسة الأخيرة وهي جلسة التشهد الأول.
- تقديم اليدين قبل الركبتين في الهُويّ إلى السجود لتحقيق التواضع والانكسار ولتجنب السقوط المفاجئ على الأرض.
- تأخير اليدين عن الركبتين في القيام من السجود بحيث يعتمد المصلي على ركبتيه أولاً ثم يرفع يديه لتحقيق التوازن والاستقامة.

مفهوم المندوبات في الصلاة

المندوبات في الصلاة هي تلك الأفعال والأقوال التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وتعد إضافة جمالية وروحية لأداء الصلاة مما يزيدها كمالًا ويعزز من روحانيتها. وهي أعمال مستحبة لكنها ليست من أركان الصلاة ولا من واجباتها، فإذا تركها المصلي عمدًا أو سهوًا لا تبطل صلاته ولكن يفوته فضل عظيم، وبهذا المعنى فإن المندوبات تشكل بعدًا تربويًا وسلوكيًا يرشد المصلي إلى السمو الروحي والإكثار من ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره.

ولغة تأتي لفظة المندوب من مادة ن د ب وتعني الدعوة إلى الخير أو الحث على فعل شيء مستحسن، وشرعًا تعرف بأنها الأفعال المستحبة التي طلب الشرع فعلها طلبًا غير جازم. فهي تقع بين الواجب والمباح في الحكم، ومن هنا يظهر الفرق بينها وبين السنن المؤكدة والخفيفة. فالسنة المؤكدة هي التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتركها إلا نادرًا وأمر بها أو رغب فيها بشكل قوي، وأما السنن الخفيفة فهي الأفعال التي ثبتت عن النبي لكنها لم تكن على سبيل المواظبة الدائمة بل فعلها أحيانًا وتركها أحيانًا أخرى، بينما المندوبات هي أوسع دائرة تشمل جميع الأفعال التي يستحب للمصلي فعلها في الصلاة من غير إلزام ولا مواظبة دائمة.

ومن أبرز حكم تشريع المندوبات في الصلاة، تربية النفس على الإكثار من الطاعات، والإقبال على الله تعالى في كل وقت، وإظهار محبة العبد لربه من خلال السعي الدائم للتقرب إليه، حتى فيما لم يفرض عليه فتأدية المندوبات تدل على رغبة المصلي في التميز والإخلاص في العبادة والحرص على إظهار كمال العبودية لله عز وجل، وفيها أيضًا تذكير للمصلي بأهمية الخشوع وحضور القلب وإظهار الذل والانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى، ولذا جاءت المندوبات متنوعة بين أفعال وأقوال وحركات كلها تصب في تقوية علاقة العبد بخالقه وتكثير حسناته ورفع درجاته في الدنيا والآخرة.

أهمية المندوبات في الصلاة

المندوبات في الصلاة لها أهمية عظيمة في حياة المسلم، فهي ليست مجرد أفعال اختيارية بل تحمل في طياتها أسرارًا تربوية وروحية تساهم في تحسين أداء الصلاة وجعلها أكثر تأثيرًا وخشوعًا، فعندما يلتزم المصلي بأداء المندوبات فإنه يستحضر في قلبه نية التقرب إلى الله وتعظيمه فيزداد خشوعه وتركيزه وتتعمق صلته بربه، فالمندوبات بمثابة محطات لتصفية القلب وإخلاص النية وتجديد العهد مع الله تعالى في كل حركة وسكون.

كما أن المندوبات تسهم في زيادة الأجر والثواب إذ إن الله سبحانه وتعالى يحب العبد الذي يتطوع بالنوافل، ويحرص على إتمام الصلاة بأكمل صورة ممكنة. والمندوبات تكون بمثابة مكملات للصلاة تجعلها أكثر جمالًا وكمالًا، فالمصلي الذي يحرص على السنن والمندوبات لا يقتصر على أداء الفريضة فقط، بل يسعى لاغتنام الفرص الإضافية للعبادة مما يضاعف أجره ويزيد في حسناته، ولذا فإن المندوبات تكون بابًا واسعًا للتزود من الخيرات واستثمار الوقت في طاعة الله.

ومن الأثر التربوي البارز للمندوبات أنها تجبر النقص الحاصل في الفرائض، فالإنسان بطبيعته قد يغفل أحيانًا أو يسهو في صلاته مما قد يسبب نقصًا في الأركان أو الواجبات وهنا تأتي المندوبات لتسد هذا النقص وتكمل ما قد فاته المصلي، فهي كالعوض والبديل الذي يغفر الله به التقصير ويكمل به الخلل فمن رحمة الله بعباده أن شرع لهم هذه المندوبات لتكون سببًا في قبول الصلاة وتحسينها وإكمالها.

وتعد المندوبات أيضًا وسيلة فعالة في تربية النفس على الانضباط والتقوى، إذ إنها تجعل المصلي أكثر حرصًا على الدقة في أداء الصلاة والالتزام بتفاصيلها الصغيرة التي قد يغفل عنها البعض، كما أنها تعلمه الصبر والمجاهدة والمواظبة على العبادة حتى فيما لم يُلزم به، فالمندوبات تزرع في النفس روح الإقبال على الطاعة بمحض الإرادة وتعود المؤمن على التعلق بالصلاة وجعلها مركز حياته ومحور اهتمامه في كل أوقاته.

أنواع المندوبات في الصلاة وفق الفقه المالكي

المندوبات في الصلاة وفق الفقه المالكي تتنوع إلى ثلاثة أقسام رئيسية ولكل نوع منها خصائصه وآثاره على أداء الصلاة وعلى حال المصلي قلبًا وقالبًا، فهناك المندوبات القولية وهي الأذكار والأدعية التي يُستحب قولها في مواضع معينة من الصلاة كالدعاء بين السجدتين، والتكبيرات في الانتقالات، والتهليل، والتسبيح في الركوع والسجود، وكذلك الدعاء في السجود والتشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، فجميع هذه الأذكار تساهم في تقوية الارتباط بالله وتكثيف التواصل الروحي بين العبد وربه وتجعل المصلي في حالة دائمة من الذكر والتوجه إلى الله.

أما المندوبات الفعلية فهي الأفعال والحركات التي يستحب للمصلي القيام بها خلال صلاته من غير أن تكون واجبة ومنها وضع اليدين على الصدر في القيام، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه، وكذلك التورك في الجلوس الأخير، وإطالة السجود ومراعاة الطمأنينة في جميع الأركان، فتلك الأفعال ليست فرضًا لكنها تزيد الصلاة جمالًا وكمالًا وتساعد على استحضار القلب والتركيز في كل حركة وتفصيل، كما أن تلك الحركات الفعلية تعبر عن تعظيم العبد لربه من خلال الالتزام بسنن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ومتابعته في أدق التفاصيل.

وفي جانب آخر نجد المندوبات القلبية التي تتعلق بمقاصد الصلاة وأهدافها الروحية وهي أسمى أنواع المندوبات، لأنها ترتبط بصدق النية وإخلاص القلب وتوجيهه إلى الله في كل لحظة خلال الصلاة، فالمندوبات القلبية تشمل استحضار النية الصالحة قبل البدء بالصلاة واستشعار عظمة الله وجلاله عند تكبيرة الإحرام، والخشوع الكامل في جميع الأركان والأذكار وإدراك معاني الآيات والأدعية أثناء القراءة والذكر، وكذلك الإلحاح في الدعاء بخشوع وتذلل بين يدي الله في السجود والتشهد، فهذه المندوبات القلبية هي التي تضفي على الصلاة روحها وجوهرها وتجعلها وسيلة للتطهير من الذنوب وتجديد العهد مع الله والارتقاء بالنفس إلى مراتب التقوى والإيمان.

تفصيل المندوبات القولية في الصلاة

المندوبات القولية في الصلاة تعد من أهم الوسائل التي تعمق معاني الصلاة وتزيد من خشوع المصلي وتركيزه، وهي الأذكار والأدعية التي تتخلل أركان الصلاة وتستحب في مواضع معينة، ولها دور كبير في تقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى. ومن أبرز هذه المندوبات دعاء الاستفتاح وهو الدعاء الذي يقوله المصلي بعد تكبيرة الإحرام، وقبل البدء بقراءة الفاتحة وهو من المندوبات التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردت فيه عدة صيغ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" فهذا الدعاء يهيئ القلب للخشوع والانقطاع إلى الله ويصرف عن المصلي كل ما يشغله من هموم الدنيا.

ومن المندوبات القولية أيضًا الدعاء بين السجدتين، وهو دعاء يسنه الفقه المالكي وهو طلب المغفرة من الله والرحمة في تلك اللحظة التي يكون فيها المصلي قريبًا من ربه وفي موضع خشوع وتذلل، ومن الأدعية الواردة في هذا الموضع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني" وقد جاءت هذه الأدعية لتذكر العبد بضعفه وحاجته إلى رحمة الله ولتفتح له باب الأمل والتوبة في كل ركعة وسجدة.

أما التسبيح في الركوع والسجود فهو من أبرز المندوبات القولية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تسبيح الله وتنزيهه في موضعين من الصلاة وهما الركوع والسجود ففي الركوع يقول المصلي "سبحان ربي العظيم" ثلاث مرات أو أكثر، وفي السجود يقول "سبحان ربي الأعلى" ثلاث مرات أو أكثر، وهذا التسبيح يرسخ في قلب المصلي معنى التذلل والخضوع لله ويزيد من إحساسه بالعظمة الإلهية ويعلمه التواضع والافتقار إلى الله في جميع أحواله.

وأخيرًا الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام، وهو موضع دعاء مستحب ويعد من المندوبات القولية التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم ففي هذا الموضع يستحب للمصلي أن يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة وأن يستعيذ به من الفتن والشرور وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغ عديدة لهذا الدعاء، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال" فهذه الأدعية الجامعة تمنح المصلي فرصة لتجديد التوبة والإنابة إلى الله والاستزادة من الخيرات قبل التسليم والخروج من الصلاة، فتكون الصلاة بذلك قد جمعت بين أركانها وواجباتها ومندوباتها فحظي المصلي بالأجر العظيم والثواب الجزيل.

تفصيل المندوبات الفعلية في الصلاة

المندوبات الفعلية في الصلاة هي تلك الأفعال التي تستحب للمصلي أن يؤديها في صلاته لتكتمل هيئتها وتزداد خشوعًا وتأدبًا وهيئةً أمام الله تعالى، فهي أفعال تعكس الأدب والوقار وتحفظ للمصلي تركيزه وتوجهه نحو الله وتضفي على الصلاة صورة من الكمال والسكينة. وأحد أبرز هذه المندوبات رفع اليدين عند التكبير وهو ما يستحب عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه عند هذه المواضع وهذا الرفع يحمل في طياته معاني التسليم والانقياد والخضوع لله، فكأن المصلي يعلن بيديه أنه يتجرد من كل شيء ويقف بين يدي الله بقلب خاشع وجسد منقاد.

ومن المندوبات الفعلية كذلك وضع اليد اليمنى على اليسرى أثناء القيام وهو ما يستحب بعد تكبيرة الإحرام وأثناء قراءة الفاتحة والسورة، وهو وضع يعبر عن الأدب والتواضع أمام الله حيث يقف العبد موقف المذنب المستغفر ويضم يديه على صدره في خشوع كامل، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة صيغ لهذا الوضع ومنها وضع اليمنى على اليسرى فوق الصدر أو أسفل منه، وفي ذلك تربية للمصلي على التواضع والوقوف بين يدي الجبار بروح خاشعة وجسد منضبط.

وأيضًا من المندوبات الفعلية النظر إلى موضع السجود وهو ما يساعد المصلي على التركيز وعدم الشرود أثناء الصلاة، إذ إن النظر إلى موضع السجود يمنع العين من التشتت والالتفات ويجمع القلب على الذكر والخشوع. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينظر إلى موضع السجود أثناء قيامه في الصلاة وهذا النظر يساهم في تعميق شعور العبد بأنه يقف في حضرة الله فلا ينشغل بما حوله ولا يلتفت إلى غيره.

ومن المندوبات الفعلية الاعتدال في الركوع والسجود وهو ما يعني عدم التعجل في هذين الركنين وعدم الإسراع في أدائهما، بل يستحب للمصلي أن يركع حتى تطمئن مفاصله ويستقر بدنه وأن يسجد حتى يأخذ كل عضو نصيبه من الخشوع والطمأنينة. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يركع حتى يستوي ظهره وتطمئن أعضاؤه، وكان يسجد حتى يمكن جبهته وأنفه على الأرض مع إطالة التسبيح في الركوع والسجود. وهذا الاعتدال يعين المصلي على الخشوع والتدبر في معاني الأذكار التي يرددها.

وأخيرًا من المندوبات الفعلية إطالة السجود والدعاء فيه وهو موضع عظيم يتقرب فيه العبد إلى الله بوضع الجبهة على الأرض في موضع الذل والخضوع وهو من أقرب المواطن لاستجابة الدعاء، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء في السجود، فتطويل السجود بالدعاء والتسبيح يعد من أعظم ما يربط قلب العبد بربه ويغرس فيه الشعور بالافتقار والانكسار بين يدي الله، فيتحقق له الخشوع الكامل والاطمئنان العميق وهو الغاية من الصلاة والسر في مشروعيتها.

المندوبات القلبية وأثرها في الصلاة

المندوبات القلبية في الصلاة هي تلك الأعمال التي تنبع من القلب وتغذيه بالخشوع والسكينة وتجعل الصلاة محطة لتجديد الإيمان والارتباط بالله تعالى، فهي ليست مجرد حركات وألفاظ بل هي معانٍ وأحاسيس يستشعرها القلب وتنعكس على الجوارح. وأحد أهم هذه المندوبات استحضار النية والخشوع، فالنية هي توجه القلب نحو العبادة بقصد التقرب إلى الله وإخلاص العمل له وهي أول ما يستحضره المصلي قبل الدخول في الصلاة، إذ يستشعر في قلبه أنه يقف بين يدي الله يناجيه ويتذلل له. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، فمن دون نية صادقة وخالصة لله لا يتحقق المعنى الحقيقي للصلاة، فالنية هي روح الصلاة ولبها والخشوع هو ذلك الانكسار الذي يتسلل إلى القلب فيجعل الجوارح في حالة من السكون والوقار، فلا يتحرك المصلي إلا برفق ولا يلتفت إلا إلى ما يقربه من الله فيكون حاضر القلب منتبهًا لكل حركة وسكنة وكلمة في الصلاة.

ومن المندوبات القلبية أيضًا التفكر في معاني الأذكار والأدعية، فالصلاة ليست مجرد ألفاظ تردد بل هي أذكار وأدعية تحمل في طياتها معاني عميقة تلامس الروح وتطهر القلب فحين يردد المصلي سبحان ربي العظيم في الركوع، فإنه يعترف بعلو الله وعظمته ويخضع له ببدنه وروحه. وحين يقول سبحان ربي الأعلى في السجود، فإنه يضع جبهته على الأرض معلنًا أنه في موضع الذل والانكسار بين يدي الله الأعلى المتفرد بالكمال والعظمة. وحين يقرأ الفاتحة فهو يناجي ربه طالبًا منه الهداية والرحمة والثبات على الصراط المستقيم، وهذه المعاني إذا تفكر فيها العبد أثناء الصلاة زاد خشوعه وامتلأ قلبه بحب الله وخشيته.

ومن المندوبات القلبية كذلك استحضار عظمة الله أثناء القراءة والذكر، فحين يقف المصلي في الصلاة ينبغي أن يستشعر أنه يقف بين يدي ملك الملوك الذي لا يغيب عنه شيء في السموات والأرض، فيخشع قلبه ويخضع جسمه ويتواضع في قيامه وركوعه وسجوده. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يناجي ربه" فإذا استشعر المصلي عظمة الله وهو يناجيه خفتت حركاته وهدأت نفسه وسكنت جوارحه، فلا يسرح قلبه في أمور الدنيا ولا ينشغل فكره بما حوله بل يتوجه بكليته إلى الله كأنما يراه فيعيش لحظات من القرب والانكسار بين يديه.

وكلما اجتمعت هذه المندوبات القلبية في صلاة العبد كلما كانت صلاته أكثر نورًا وإشراقًا، وكانت أعمق أثرًا في تزكية نفسه وتطهير قلبه، وكان أقرب إلى تحقيق مقصود الصلاة الذي هو النهي عن الفحشاء والمنكر والتزود بالخشية والتقوى.

حكم ترك المندوبات

ترك المندوبات في الصلاة سواء كان عمدًا أو نسيانًا لا يترتب عليه بطلان الصلاة، ولا يستوجب سجود السهو، لأن المندوبات في أصلها أعمال مستحبة وليست واجبة، فهي أعمال مكملة للصلاة تزينها وتزيدها خشوعًا وكمالًا ولكنها ليست من الأركان التي تفسد الصلاة بتركها عمدًا أو سهوًا، فإذا ترك المصلي المندوبات عمدًا دون سبب فإنه قد فاته فضل كبير وثواب عظيم، إذ أن أداء المندوبات يزيد في الحسنات ويقوي صلة العبد بربه وينمي الخشوع والتذلل في الصلاة.

أما إذا تركها نسيانًا فلا يترتب عليه شيء أيضًا ولا يلزمه سجود السهو، لأن السجود يكون لتعويض النقص الحاصل بترك السنن المؤكدة أو بزيادة أو نقصان في أركان الصلاة. أما المندوبات فلا تعوض بالسجود وإنما يعوضها العبد بالإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء، فإن الله سبحانه وتعالى يقبل من عباده العمل القليل إذا كان خالصًا ويغفر لهم الزلل والنقص إذا كان عن غير عمد.

والفرق بين المندوبات والسنن المؤكدة يظهر جليًا في مسألة وجوب التعويض بالسجود، فالسنن المؤكدة هي التي ينبغي للمصلي المحافظة عليها وعدم التفريط فيها فإن تركها نسيانًا وجب عليه سجود السهو قبل السلام ليعوض هذا النقص، وأما إن تركها عمدًا فلا يسجد ولكنه قد فوت على نفسه أجرًا كبيرًا وثوابًا عظيمًا، لأن السنن المؤكدة تقترب في حكمها من الواجبات إذ وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بصفة مستمرة وأوصى بها وحث على المحافظة عليها، كالتشهد الأول والجهر والإسرار في مواضعهما ورفع اليدين عند التكبيرات الانتقالية.

أما المندوبات فهي أدنى مرتبة من السنن المؤكدة ولا يجب تعويضها بالسجود ولا يلزم إعادة الصلاة بتركها، سواء كان ذلك عمدًا أو سهوًا فهي مكملات للصلاة وزينة لها ومن تركها عمدًا لا يؤثم ولكن يفوت على نفسه فضلها وثوابها، ومن تركها نسيانًا لا يلزمه شيء لأن الأصل فيها أنها ليست من الواجبات ولا من المؤكدات.

وفي ذلك دلالة على رحمة الله بعباده وتيسيره عليهم إذ جعل لهم سبلًا كثيرة لزيادة الأجر والثواب من غير أن يكلفهم ما يشق عليهم، فمن شغف قلبه بالصلاة وحرص على إتمامها على أكمل وجه فإنه يجتهد في الإتيان بالمندوبات كلها، ومن لم يستطع فلا حرج عليه فإن الله كتب الإحسان على كل شيء وقد قال تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم".

أمثلة من المندوبات في الصلاة في المذهب المالكي

من المندوبات التي أكد عليها الفقه المالكي  التأمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية، إذ أن التأمين بعد الفاتحة يعد من مظاهر الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. حيث قال عليه الصلاة والسلام، "إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" فالتأمين سنة مؤكدة للإمام والمأموم والفذ ويكون بصيغة آمين، بمعنى اللهم استجب وهي دعاء يختتم به الفاتحة طلبًا لقبول الدعاء وتحقيق الرجاء.

ومن المندوبات كذلك الدعاء بعد الصلاة وقبل الانصراف، إذ أن هذه اللحظات تعد من الأوقات المباركة التي يتجلى فيها قرب العبد من ربه فيستحب له أن يدعو الله بما شاء من خير الدنيا والآخرة، وله أن يسأل الله المغفرة والرحمة والقبول. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على الدعاء بعد الصلاة ويستغفر الله ثلاثًا ثم يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" فالدعاء بعد الصلاة يغذي القلب ويجدد العهد مع الله ويكون ختامًا مباركًا لأداء الفريضة.

وأيضًا من المندوبات الذكر بعد التسليم والجلوس قليلاً قبل الانصراف، فإن من السنة أن يذكر العبد ربه عقب الصلاة بالاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل، ففي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" فتلك اللحظات القليلة التي يجلسها المصلي بعد التسليم تجعله يستشعر السكينة ويعيش حالة من الطمأنينة والراحة النفسية ويهيئ نفسه للعودة إلى شؤون الدنيا بروحانية ونفس مطمئنة.

أدلة مشروعية المندوبات في الصلاة

تقوم مشروعية المندوبات في الصلاة على مجموعة من الأدلة المتنوعة التي استقى منها العلماء أحكامهم وفتاواهم، بداية من الكتاب العزيز حيث وردت آيات تحث على إقامة الصلاة بتأنٍ وخشوع ومنها قوله تعالى: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" هذا الحث على المحافظة والخشوع يؤكد أهمية الاهتمام بكل ما يزين الصلاة ويكملها ومنها ما يتعلق بالمندوبات التي تزيد في أداء العبد للصلاة إتقانًا وروحانية، أما من السنة النبوية فهي غنية بالأحاديث التي تبين كيفية أداء النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة وما اتبع من أفعال وأقوال غير الفروض، كدعاء الاستفتاح، والتسبيح والذكر بعد التسليم، والنظر إلى موضع السجود، وهذه الممارسات ثبتت بالتواتر عن النبي الكريم مما يدل على مشروعية هذه الأفعال كونها مما يزين الصلاة ويزيدها قبولًا.

كما نقلت أقوال الصحابة والتابعين أهمية المندوبات في الصلاة فقد كان الصحابة الكرام يحثون على إتمام الصلاة بتلك الأفعال التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتهاونوا فيها، بل حرصوا على تعليمها لأمّتهم وتنفيذها في صلاتهم لما وجدوا فيها من الأثر البالغ في تزكية النفوس وتقوية الروحانية، وأما التابعون فقد ساروا على نهج الصحابة وأثبتوا تلك المندوبات في تعليمهم وفتاواهم وتأكيدهم على وجوب الاهتمام بها لما فيها من فوائد تربوية و روحية ومنافع في إتمام الفريضة.

ويعتمد المذهب المالكي في تحديد المندوبات كثيرًا على عمل أهل المدينة المنورة، لأنهم من حمل لواء الحفاظ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكان عملهم مرجعًا في الفقه المالكي. فإذا وجد فعل يكرره أهل المدينة دون أن يكون فرضًا أو واجبًا اعتبره المالكية مندوبًا أو سنة مؤكدة، بناءً على قول الإمام مالك رضي الله عنه الذي يعلق العمل بالمدينة بكونه سنة نبوية متصلة توارثها الصحابة والتابعون عبر الأجيال، وبذلك فإن المندوبات في الفقه المالكي لها أصل راسخ يستند إلى النصوص الشرعية والأفعال المعتمدة لصحابة النبي والتابعين وعمل أهل المدينة، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من العبادة التي يتقرب بها العبد إلى ربه بكل إخلاص وجمال.

القيم المستفادة من الالتزام بالمندوبات

الالتزام بالمندوبات في الصلاة له أثر عميق في تربية النفس على الطاعة والانضباط، إذ إن المحافظة على أداء ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال وأقوال تعزز لدى المصلي روح المسؤولية والجدية في أداء عبادته، وهذا الانضباط لا يقتصر على الصلاة فقط، بل يمتد إلى مختلف مجالات حياته فيتعود على تنظيم وقته واحترام الواجبات الشرعية والدنيوية ويزداد وعيه بأهمية الالتزام بما أمر الله به ويبتعد عن التهاون والتقصير في أمور الدين وهذا الانضباط هو من أهم القيم التي تحصن النفس وتبعدها عن الفتن والذنوب.

وزيادة الأجر والثواب هي من أبرز الفوائد التي يجنيها المصلي من الالتزام بالمندوبات، إذ إن الشريعة الإسلامية قد حثت على المداومة على السنن والمندوبات لما فيها من تكبير الأجر وتعظيم الثواب، فكل عمل يقرب العبد إلى ربه بما هو غير فرض يرفع درجته ويضاعف حسناته، وهذا مما يسر الله به على عباده ويزيد من قربهم منه تعالى ويجعل الصلاة عبادة كاملة ذات أبعاد روحية وجسدية ونفسية تلامس شغاف القلب وتغذي الروح بالسكينة والطمأنينة، فلا يكون العبد مجرد مصل يؤدي الفرض وإنما يكون عبدًا يشارك في بناء علاقته مع ربه بمزيد من الإحسان.

وتعزيز محبة الله في القلب من الآثار العميقة التي تحققها المندوبات في الصلاة، إذ إن المواظبة على هذه الأفعال ترفع من خشوع المصلي وتزيد من تركيزه في الصلاة، وبالتالي تزداد محبته لله تعالى واشتياقه للتقرب إليه ويشعر بالقرب منه وهذا الحب يكون دافعًا قويًا للاستمرار في العبادة والالتزام بالأوامر والنواهي، ويتجلى في سلوك المسلم وأخلاقه مع الناس وهذا الحب هو مفتاح لنجاح الإنسان في حياته الدنيوية والآخرة.

وتحسين سلوك المصلي وإكسابه الاستقامة في حياته اليومية من القيم العظيمة التي تنشأ من الالتزام بالمندوبات، فالصلاة ليست مجرد حركات وأقوال بل هي تربية متكاملة للنفس، تنمي التقوى والخشية، وتبعد الإنسان عن المعاصي والفواحش، وتحثه على الالتزام بالقيم الأخلاقية العالية، وتعلمه الصبر والمثابرة والتواضع مع الآخرين. وهذا كله يظهر في سلوك المسلم وعلاقاته الاجتماعية ويجعله قدوة حسنة في مجتمعه ويشعره بالرضا والسكينة النفسية، لأن استقامته على ما أمر الله به هي السبيل الأنجح للنجاح في الدنيا والآخرة.

أسئلة التقويم و الإجابة عنها

- ما هو مفهوم المندوبات في الصلاة وفق المذهب المالكي؟ وما الفرق بينها وبين السنن المؤكدة والسنن الخفيفة؟

المندوبات في الصلاة هي الأعمال المستحبة التي يثاب المصلي على فعلها ولا يعاقب على تركها. وهي تزيد الصلاة كمالاً وجمالاً وتضفي على العبادة روح الخشوع والخضوع، وهي من مكملات الصلاة وليست من واجباتها.
أما الفرق بين المندوبات والسنن المؤكدة، فإن السنن المؤكدة يُسن فعلها على وجه التأكيد، ويُطلب المحافظة عليها ويُسجد للسهو عند تركها نسياناً. بينما المندوبات لا يُسجد للسهو عند تركها، وهي أدنى مرتبة من السنن المؤكدة.
وأما السنن الخفيفة، فهي تلك التي يُستحب فعلها دون تأكيد ولا يستدرك تركها بسجود السهو، ولكن فعلها يكمل الصلاة ويزيدها إتقاناً.

- اذكر خمساً من المندوبات القولية في الصلاة وفق متن ابن عاشر وبيّن حكمها وحكم تركها.

المندوبات القولية في الصلاة تشمل الأذكار والأدعية التي يستحب قولها خلال الصلاة، ومنها: - دعاء الاستفتاح: وهو الدعاء الذي يقوله المصلي بعد تكبيرة الإحرام، مثل: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". وهو مستحب، وتركه لا يستوجب سجود السهو. - التأمين بعد الفاتحة: يقول المصلي "آمين" بعد انتهاء الإمام من قراءة الفاتحة، وهو مندوب للفذ والمأموم في الصلاة السرية والجهرية، ولا يُسجد لتركه. - قول ربنا ولك الحمد: بعد الرفع من الركوع، وهو مندوب في حق للمأموم والفذ، وتركه لا يبطل الصلاة. - التسبيح في الركوع والسجود: بقول "سبحان ربي العظيم" في الركوع و"سبحان ربي الأعلى" في السجود، وهو من مكملات الصلاة، وتركه لا يوجب سجود السهو. - الدعاء بعد التشهد الأخير قبل السلام: وهو دعاء مستحب بعد الانتهاء من التشهد الأخير قبل التسليم، مثل قول: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت".

- ما هي المندوبات الفعلية في الصلاة وفق الفقه المالكي؟ وكيف يمكن للمصلي تطبيقها عملياً لتحقيق الخشوع في الصلاة؟

المندوبات الفعلية في الصلاة هي الأفعال المستحبة التي يُسن القيام بها أثناء الصلاة، وتساعد على زيادة التركيز والخشوع، ومنها: - رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام: وهو رفع اليدين إلى محاذاة الأذنين أو الكتفين عند قول "الله أكبر"، مما يعبر عن الخضوع والاستسلام لله. - وضع اليد اليمنى على اليسرى أثناء القيام: وذلك بعد تكبيرة الإحرام وبين الركوع، وهو سنة تقتدي بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويعين على جمع الذهن والتوجه في الصلاة. - النظر إلى موضع السجود: في أثناء القيام والركوع، وهو يساعد على تحقيق التركيز والانقطاع عن مظاهر الدنيا. - تمكين اليدين من الركبتين في الركوع: مع بسط الأصابع وشد الظهر، مما يُظهر التواضع والتذلل لله. -إطالة السجود والدعاء فيه: وهو وقت الاستجابة وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ويستحب فيه الإكثار من الدعاء والذكر.

- كيف يمكن أن تساهم المندوبات القلبية في تعزيز خشوع المصلي وتقوية صلته بالله تعالى؟

المندوبات القلبية في الصلاة هي الأعمال التي يقوم بها القلب والروح أثناء أداء الصلاة، وهي تعزز الخشوع والإنابة، ومن أهمها: - استحضار النية والخشوع: فقبل الدخول في الصلاة، يستحضر المصلي عظمة الله تعالى وهيبته، فيشعر بأنه يقف بين يدي ملك الملوك، مما يزيد من تركيزه في الأذكار والأفعال. - التفكر في معاني الأذكار والأدعية: فعندما يقول المصلي "سبحان ربي العظيم" في الركوع أو "سبحان ربي الأعلى" في السجود، يستشعر معاني التنزيه والتعظيم لله، مما يجعله أكثر اتصالاً وخشوعاً. - استحضار عظمة الله أثناء القراءة والذكر: فحين يقرأ الفاتحة أو يتلو آيات من القرآن، يتدبر المعاني ويتفكر في مواعظها، فتتأثر روحه ويزداد يقينه بالله.

- ما حكم ترك المندوبات في الصلاة وفق الفقه المالكي؟ وهل يترتب على تركها سجود السهو؟

ترك المندوبات في الصلاة وفق المذهب المالكي لا يبطل الصلاة، لأن المندوبات ليست من الأركان أو الواجبات، وإنما هي من مكملات الصلاة. فلا يسجد المصلي للسهو إذا نسيها أو تركها عمداً، لأن فعلها أولى ولكن تركها لا يُخل بصحة الصلاة.
ومع ذلك، فإن المحافظة على المندوبات تعين المصلي على تحقيق الخشوع وزيادة الأجر، وتكمل ما قد يكون قد نقص من خشوعه أو إتقانه للصلاة. فإذا ترك المندوبات عمداً، فإنه لا يأثم ولكنه يُحرم من أجرها وثوابها.

- اذكر ثلاثة أمثلة من المندوبات القولية والفعلية والقلبية في الصلاة، وبيّن أثرها في تحسين أداء الصلاة وتحصيل الأجر.

أولاً: من المندوبات القولية قول "آمين" بعد الفاتحة، وهو طلب الإجابة لدعاء الفاتحة، ويزيد من تفاعل المصلي مع آيات القرآن.
ثانياً: من المندوبات الفعلية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وهو إشارة للتوجه الكامل إلى الله تعالى والتخلي عن مشاغل الدنيا، مما يعين المصلي على تحقيق الخشوع.
ثالثاً: من المندوبات القلبية استحضار عظمة الله أثناء القراءة والذكر، مما يجعل الصلاة أعمق أثراً في النفس وأكثر تأثيراً على السلوك خارج الصلاة.
فالالتزام بهذه المندوبات يزيد من روحانية الصلاة ويجعلها وسيلة لتزكية النفس وتقوية الصلة بالله تعالى.

- ما هو دور المندوبات في الصلاة وفق متن ابن عاشر في تعميق المعاني الروحية وتعزيز الخشوع؟ وكيف تؤثر هذه المندوبات على نفسية المصلي وسلوكه؟

المندوبات في الصلاة وفق متن ابن عاشر تلعب دوراً محورياً في تعميق المعاني الروحية للصلاة، إذ تجعل المصلي أكثر اتصالاً بالله وأشد حضوراً في عبادته. فحين يلتزم المصلي برفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، فإنه يجسد بذلك انتقاله من عالم الدنيا إلى عالم العبادة والخشوع. وعندما يقول "آمين" بعد الفاتحة، فإنه يتفاعل مع كلمات القرآن ويتضرع لله بطلب الهداية والثبات.
أما التسبيح في الركوع والسجود، فإنه يرسخ في قلب المصلي شعور التعظيم والإجلال لله، فهو في كل ركوع وسجود يتذكر عظمة ربه ويقر بضعفه وحاجته إليه.
ومثل ذلك الدعاء بعد التشهد الأخير قبل السلام، حيث يبث المصلي شكواه ورجاءه لربه، فيشعر بالقرب من الله ويمتلئ قلبه بالسكينة والطمأنينة.
إن الالتزام بهذه المندوبات ينعكس على نفسية المصلي وسلوكه، إذ يتعلم الانضباط، ويغرس في قلبه التواضع والخضوع لله، ويزيده إقبالاً على الطاعات بعد الصلاة.

- كيف تُراعى المندوبات الفعلية في الصلاة وفق المذهب المالكي عند المريض أو العاجز عن القيام؟ وما أثر ذلك في تحقيق المقاصد الشرعية للصلاة؟

المذهب المالكي يراعي الظروف الخاصة للمصلين كالمرض والعجز، ولذلك فإن تطبيق المندوبات الفعلية يتكيف وفق القدرة والاستطاعة. فإذا كان المصلي مريضاً أو عاجزاً عن القيام أو السجود، فإنه يُسمح له بأداء الصلاة وهو جالس أو مستلقٍ، ويُراعى في ذلك عدم تكليفه بما لا يطيق.
ومن المندوبات التي يمكن مراعاتها في حال المرض رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ولو بشكل رمزي، وإشارة الأصابع بدلاً من السجود الكامل، ووضع اليد اليمنى على اليسرى أثناء الجلوس أو الاستلقاء.
هذا التيسير يعكس حكمة الشريعة في تحقيق مقصد الصلاة كصلة بين العبد وربه دون مشقة أو حرج، ويؤكد على أن العبادة ليست مجرد حركات بل هي نية وقصد وتوجه بالقلب. فالالتزام بالمندوبات حتى في حالة المرض يجلب للمصلي الأجر والثواب، ويزيده قرباً من الله سبحانه وتعالى.

مواضيع ذات صلة

درس تعليمي 13: أحكام الأذان وقصر الصلاة في الفقه المالكي: شروطها وأهميتها وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 12: سنن الصلاة في الفقه المالكي بين التأكيد والاستحباب وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 11: شروط صحة ووجوب الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: شرح وتحليل مفصّل
درس تعليمي 10: فرائض الصلاة في الفقه المالكي: شرح وتحليل وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 9: التيمم في الفقه المالكي: أسبابه وأحكامه وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 8 : صفة الغسل وموجباته في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 7: فرائض الغسل وسننه ومندوباته في الإسلام وفق المذهب المالكي: شرح مفصل من متن ابن عاشر
درس تعليمي 6: أحكام نواقض الوضوء في الفقه المالكي وأهميتها في صحة العبادة
دروس تعليمية في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر
الصلاة في الإسلام ويكيبيديا
مندوبات الصلاة: كتاب الفقه من منظومة المرشد المعين لابن عاشر بشرح ميارة الفاسي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-