أخر الاخبار

درس تعليمي 17: أحكام السهو في الصلاة في الفقه المالكي من خلال متن ابن عاشر: بين الضبط الفقهي والتطبيق العملي

 درس تعليمي 17: أحكام السهو في الصلاة في الفقه المالكي من خلال متن ابن عاشر: بين الضبط الفقهي والتطبيق العملي

درس تعليمي 17: أحكام السهو في الصلاة في الفقه المالكي من خلال متن ابن عاشر: بين الضبط الفقهي والتطبيق العملي

يقول عبد الواحد بن عاشر في أحكام السهو في الصلاة في نظمه المرشد المعين على الضروري من علوم الدين:

فَصْلٌ لِنَقْصِ سُنَّةٍ سَهْوًا يُسَنّْ *** قَبْلَ السَّلَامِ سَجْدَتَانِ أَوْ سُنَنْ
إِنْ أُكِّدَتْ وَمَنْ يَزِدْ سَهْوًا سَجَدْ *** بَعْدُ كَذَا وَالنَّقْصَ غَلِبٌ إِنْ وَرِدْ
وَاسْتُدْرِكِ الْقَبْلِيَّ مَعْ قُرْبِ السَّـلَامْ *** وَاسْتُدْرِكِ الْبَعْدِيَّ وَلَوْ مِنْ بَعْدِ عَامْ
عَنْ مُقْتَدٍ يَحْمِـــلْ هَذَيْنِ الْإِمَــــامْ *** ........................................

الصلاة هي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الصلة المباشرة بين العبد وربه، ومن أجل ذلك كانت أعظم مظاهر العبادة التي يجتمع فيها الجسد والروح والفكر. ولهذا السبب شدد الإسلام على أدائها بخشوع وطمأنينة، لأن الخشوع هو روح الصلاة وجوهرها، وهو الذي يميز صلاة الحاضر بقلبه عن صلاة الغافل المتعجل. وقد أمر الله به في كتابه العزيز، فقال تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون" فالصلاة بغير خشوع كالجسد بغير روح، والمصلي إذا لم يستشعر عظمة من يقف بين يديه فإنه يفقد لذة الصلاة ويقع في الغفلة والشرود، ومن هنا كانت الحاجة إلى تعليم المسلم كيف يتعامل مع ما قد يطرأ عليه من سهو ونسيان أثناء صلاته، لأن الإنسان بطبعه ضعيف الذاكرة سريع النسيان يتأثر بالمشاغل والمواقف اليومية، مما قد يؤدي إلى أن يسهو في الصلاة أو يخطئ في عدد الركعات أو يغفل عن بعض الأذكار والأركان. وهذا أمر لا يسلم منه أحد حتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق وأشدهم عبادة قد سهى في صلاته، فشرع الله لنا سجود السهو رحمة بعباده وتخفيفا عليهم ولحفظ الصلاة من أن تبطل أو تنقص ثوابها، ومن هذا المنطلق اهتم فقهاء الإسلام بتأصيل أحكام السهو في الصلاة ووضع القواعد الدقيقة التي تضبطها حتى تكون الصلاة صحيحة مقبولة عند الله تعالى، وقد كان علماء المذهب المالكي من أكثر المذاهب عناية بهذا الباب فأدرجوه في متونهم التعليمية وضمنوه في منظوماتهم الفقهية مثل ما فعل ابن عاشر رحمه الله حيث نظم في منظومته أحكام السهو وضوابط سجود القبلي والبعدي، وأوضح الحالات التي يُشرع فيها كل منهما وما يستدرك به، وبيّن كذلك مسؤولية الإمام والمأموم في هذا السياق. وإن هذا الدرس يُعد من أهم الدروس التطبيقية في فقه الصلاة لأنه يجعل المصلي أكثر طمأنينة وثقة، ويعلمه كيف يتعامل مع المواقف الفعلية التي قد تحدث له أو لمن يصلي خلفه في جماعة.

تعريف السهو في الصلاة

السهو في اللغة: هو الغفلة عن الشيء ونسيانه أو الذهول عنه بسبب شاغل يعرض للإنسان فيصرفه عن الانتباه الكامل لما هو فيه. ويقال: سها، يسهو، سهوا، إذا غفل عن شيء كان يجب عليه أن يتذكره. أما في الاصطلاح: فهو ترك المصلي لركن أو واجب أو سنة من سنن الصلاة عن غير عمد بسبب نسيان أو شرود ذهن أو انشغال القلب. وهذا الترك يكون دون قصد أو تعمد وإلا فإن المتعمد لا يُعد ساهيا بل عاصيا، والمقصود به في هذا المقام هو السهو الذي يقع للمصلي حال أدائه الصلاة فيزيد أو ينقص شيئا مما شرعه الله في صلاته سواء كان ذلك من عدد الركعات أو من الأقوال أو الأفعال.

ومن المهم التمييز بين السهو والخطأ والجهل، فالسهو هو ما يقع من الإنسان من غير قصد منه في حال يكون فيها حاضر العقل لكن يشغله شاغل أو تداهمه الغفلة، وأما الخطأ فهو أن يتعمد الفعل لكن يفعله على غير وجهه الصحيح كأن يقصد الركوع فيقع في السجود بغير إدراك لذلك حتى ينبهه غيره أو ينتبه بنفسه، وأما الجهل فهو أن يترك الإنسان الشيء لكونه لا يعلمه أصلا كمن لا يعرف أن السجود ركن من أركان الصلاة فيتركه معتقدا أنه غير واجب، فالمسائل الثلاث تختلف من حيث السبب والحكم.

وقد شرع الله عز وجل سجود السهو لحكم عظيمة ومن أعظمها التيسير والرحمة بعباده، إذ أن السهو أمر جبلي في الإنسان لا يكاد يسلم منه أحد حتى أشرف الخلق وأتقاهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد سهى في صلاته، وكان ذلك لحكمة تعليم الأمة كيف تتصرف في حال السهو، ويدل ذلك على أن الدين مبني على اليسر ورفع الحرج وأن الشريعة لا تكلف الناس بما لا يطيقون.

وسجود السهو جبر لنقص أو خلل يقع في الصلاة يرمم به العبد ما حصل منه من خلل غير مقصود، ويكمل به عبادته ليخرج منها مقبولة تامة ما استطاع، ومن تأمل هذا الحكم علم أن الله لا يعامل عباده بالشدّة بل بالعفو والفضل، وأن الخطأ والسهو غير متعمد لا يحبط العمل بل يُتدارك بالسجود الذي يكون طاعة في نفسه وتواضعا لله عز وجل، وختاما فإن السهو في الصلاة دليل على بشرية الإنسان وهو جزء من الابتلاء الذي به يُختبر انتباهه ويقظته وخضوعه في صلاته.

أقسام السهو عند المالكية

يقسم المالكية السهو في الصلاة إلى أقسام متعددة بحسب طبيعة الخطأ الذي يقع فيه المصلي، ومن أبرز هذه الأقسام: السهو بالنقص، والسهو بالزيادة، والسهو بالشك، وكل نوع منها له خصائصه وأحكامه التي تترتب عليه وكلها مبنية على مبدأ التيسير وجبر الخلل الحاصل في الصلاة بما يضمن قبولها وعدم بطلانها.

فأما السهو بالنقص فهو أن يترك المصلي بعض السنن المؤكدة أو الهيئات المستحبة في الصلاة عن غير قصد، وهذا النوع لا يُبطل الصلاة عند المالكية لأنه لا يتعلق بأركانها أو واجباتها بل هو ترك لما هو دون ذلك من السنن المؤكدة، كأن ينسى الجلوس للتشهد الأول، أو الإسرار في محل الجهر، أو بنقص سنن متعددة كالتكبير و التشهد و الجلوس، أو بنقص سنة تتضمن ثلاث سنن فأكثر كالسورة بعد الفاتحة، ومثل هذا السهو يُجبر بسجود قبلي عند المالكية ما لم يطوِ ركنا بعده لأنهم يرون أن السجود القبلي إنما شرع لجبر النقص في السنن أو الهيئات وهو تابع لحكم تلك السنن من حيث المشروعية.

وأما السهو بالزيادة فهو أن يزيد المصلي في صلاته ركعة أو سجدة أو قراءة أو فعل من أفعال الصلاة التي لا محل لها، كأن يسجد ثلاث سجدات في ركعة واحدة، أو يقرأ الفاتحة مرتين في محل واحد، أو أن يأتي بتشهد في غير موضعه،.. وهذه الزيادة لا تكون عادة مقصودة بل تقع سهوا وجهلا، وهنا يشرع عند المالكية السجود البعدي لأنه جُعل لجبر الزيادة كما أن القبلي جُعل لجبر النقص، ويكون بعد السلام ويُؤدى بركعتين يجلس بينهما ثم يسلم وإن علم المصلي بالزيادة في أثنائها فإنه يتوقف عن الفعل الزائد إن أمكن ويكمل صلاته ثم يسجد بعديا.

وأما السهو بالشك فهو أن يقع للمصلي تردد وتوهم في عدد الركعات أو عدد السجدات أو غيرها من الأركان التي لا تصح الصلاة بدونها، كأن يشك هل صلى ثلاثا أو أربعا، أو يشك هل سجد سجدة واحدة أو سجدتين في ركعة معينة، والمالكية يفرقون في هذا النوع من السهو بين من غلب على ظنه أحد الاحتمالين فيبني على غالب ظنه ويسجد بعديا، وبين من استوى عنده الأمران ولم يغلب على ظنه شيء ففي هذه الحالة يبني على اليقين وهو الأقل، ويسجد قبل السلام وهذا التمييز بين الغلبة واليقين يدل على عمق فهمهم لحال المكلفين وتنوع الوسائل الشرعية لضبط عباداتهم.

وخلاصة الأمر أن فقه السهو عند المالكية قائم على تحقيق مقاصد الشريعة من حيث رفع الحرج عن العباد مع المحافظة على قدسية الصلاة وجمال نظامها، فجعلوا لكل نوع من السهو سبيلا إلى استدراكه إما قبليا أو بعديا بحسب طبيعة السهو ووقوعه فجاء منهجهم جامعا بين الانضباط في الأحكام والرحمة في التطبيق.

السجود القبلي: حقيقته ومتى يُشرع

السجود القبلي هو أحد نوعي سجود السهو المشروع في الصلاة، ويقصد به السجود الذي يؤديه المصلي قبل السلام من صلاته تعويضا عن نقص حصل فيها بسبب سهو غير متعمد، ويُعد هذا النوع من السجود من مظاهر الرحمة الإلهية التي شرعت للتيسير على العباد وجبر ما يمكن أن يقع فيه الإنسان من تقصير أو نسيان أثناء أداء ركن من أعظم أركان الإسلام وهو الصلاة.

ويُشرع السجود القبلي عند المالكية إذا وقع من المصلي سهو ناتج عن ترك سنة مؤكدة من سنن الصلاة أو هيئة من هيئاتها وذلك  كنسيان الجلوس للتشهد الأول، أو عدم قراءة السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية أو الثلاثية، وهذا السجود لا يُشرع في حالة ترك ركن أو واجب بل يختص بترك السنن والهيئات التي لا تخل بصحة الصلاة وإنما تنقص من كمالها.

ومن المقرر في المذهب المالكي أن هذا السجود يكون قبل السلام من الصلاة دائما فلا يُؤخر إلى ما بعد التسليم لأنه جُعل لجبر النقص في العبادة، والنقص لا يُلائم إلا قبل الفراغ منها، ولهذا سماه المالكية بالسجود القبلي أي المقدم على السلام، فإذا تذكر المصلي أنه ترك سنة مؤكدة من سنن الصلاة وكان لا يزال في الصلاة، فإنه يكمل صلاته كالمعتاد ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم يجلس للتشهد إن كان قد تركه ثم يسلم.

أما إذا نسي أن يسجد قبل السلام وتذكر ذلك بعد أن سلّم بمدة يسيرة لم يطل الفصل العرفي بينها وبين السلام كأن تذكر بعد التسليم مباشرة أو خلال دقيقة مثلا فإنه يعود إلى الصلاة بتكبيرة الإحرام إن طال الفصل أو بمجرد السجود إن لم يطل ثم يسجد السجدتين بنية السهو القبلي ثم يسلم من جديد، أما إذا طال الفصل أو شرع في كلام كثير أو انتقض وضوءه فقد فات محل السجود ولا يُطالب به.

وأما عن صفة السجود القبلي فهي كسجود الصلاة من حيث الهيئة فيسجد سجدتين متواليتين يجلس بينهما جلسة خفيفة ثم يتم صلاته إن لم يكن قد سلم، وإن كان قد سلم أعاد السلام بعد السجود، أما في الأذكار فيُقال في كل سجدة ما يُقال في سجود الصلاة العادي من تسبيح ودعاء كسبحان ربي الأعلى وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، ولا يختص هذا السجود بأذكار مميزة بل له أن يأتي بما ورد في السنة من أذكار السجود.

ويُستفاد من هذا كله أن السجود القبلي وسيلة عظيمة لحفظ الصلاة من الخلل الذي قد يحصل فيها دون قصد، وأن الشريعة قد راعت في هذا الباب طبيعة النسيان البشري فأرشدت العباد إلى ما به يتم تدارك الخطأ ويُحفظ به جوهر الصلاة ومقصودها، وتبقى بذلك العبادة صحيحة مقبولة مكتملة بفضل من الله ورحمة.

السجود البعدي: معناه ومجالاته

السجود البعدي هو أحد نوعي سجود السهو المشروع في الصلاة ويقصد به السجود الذي يؤدى بعد السلام من الصلاة لا قبلها، ويُشرع هذا النوع من السجود عند حصول زيادة في أفعال الصلاة سواء كانت تلك الزيادة قولا أو فعلا زائدا عن المشروع والمعتاد في هيئة الصلاة المعروفة شرعا، ومقصود هذا السجود هو جبر هذه الزيادة التي قد تطرأ على الصلاة بسبب سهو العبد وغفلته، وقد جاء تشريعه تيسيرا ورحمة من الله لعباده ورفعا للحرج عنهم وصونا لصلاتهم من البطلان.

ومن أبرز صور السهو التي توجب السجود البعدي عند المالكية أن يشك المصلي في زيادة ركعة خامسة في صلاة رباعية، أو يزيد سجدة ثالثة في إحدى الركعات، أو يكرر التشهد في غير موضعه، أو يزيد تسليمة ثالثة، أو أي فعل ليس من جنس الصلاة وأدّاه معتقدا أنه منها ثم تبين له بعد ذلك أنها زيادة غير مشروعة فحينها يجب عليه السجود البعدي.

ويُسمى هذا السجود بالبعدي لأنه يتأخر في أدائه إلى ما بعد السلام مباشرة، ووجه ذلك أن الزيادة ليست من جنس النقص ولا تلزمها نية الجبر قبل إتمام الصلاة، بل يُميز هذا النوع من السهو بتأخير السجود عنه ليُشعر أن المقصود به ليس إتمام ما نقص كما في السجود القبلي، وإنما تدارك ما زاد ووقع خارج حدود العبادة المشروعة.

ويُؤدى السجود البعدي بأن يسلم المصلي من صلاته ثم يسجد سجدتين بنية السهو يجلس بينهما جلسة خفيفة ثم يعيد السلام مرة ثانية، ويستحب أن يقول في سجوده ما يُقال في سجود الصلاة من تسبيح ودعاء وذكر، ويستحب أيضا أن يكون ذلك بدون إطالة ولا تكرار زائد حتى لا تُزاد العبادة على ما جاءت به السنة.

أما إذا نسي المصلي السجود البعدي وتذكره بعد زمن غير يسير فالأصل في المذهب المالكي أنه إذا لم يحدث مانع شرعي يمنعه كخروج وقت الصلاة، أو انتقاض الطهارة، أو حدوث قاطع عرفي كالكلام الكثير، أو الانشغال الطويل فإنه يعود ويسجد السجدتين ثم يعيد السلام ولا يُشترط أن يكون الفصل قصيرا كما في السجود القبلي بل يجوز استدراك السجود البعدي ولو بعد وقت طويل إذا لم يطرأ ما يبطله.

أما إذا نسيه ثم طال الفصل أو شرع في صلاة أخرى أو انتقض وضوؤه أو شك في الأمر وشكله فقد فات محله ولا يُطالب به وليس عليه إثم، لأن الشريعة لا تُكلف نفسا إلا وسعها وقد جعل الله النسيان عذرا مرفوعا عن هذه الأمة.

ويظهر من هذا كله أن السجود البعدي إنما شُرع لزيادة حدثت في الصلاة وأنه يُؤدى بعد السلام وأن الفقه المالكي يتميز بالمرونة والتيسير في استدراكه ما دام المصلي لم يقم بفعل ينافي الصلاة، ولم يطل الفصل جدا، مما يدل على عناية هذا المذهب بحفظ المقاصد الشرعية للعبادات وجبرها قدر الإمكان دون تكليف أو تشديد.

كيفية التمييز بين السجود القبلي والبعدي

التمييز بين السجود القبلي والسجود البعدي من المسائل الدقيقة التي اهتم بها فقهاء المذهب المالكي لما لها من أثر مباشر على صحة الصلاة وكمالها، وقد قرر العلماء قاعدة جامعة في هذا الباب وهي أن غلبة جانب النقص يوجب السجود القبلي، بينما غلبة جانب الزيادة يوجب السجود البعدي، وهذه القاعدة تعتمد على نوع السهو الذي وقع فيه المصلي وهل سببه ترك شيء من الصلاة أو فعل شيء زائد فيها.

فإذا حصل للمصلي سهو أدى إلى ترك سنة مؤكدة أو هيئة من هيئات الصلاة دون تعمد فإن ذلك يُعد من قبيل النقص ويُشرع له حينها أن يسجد سجدتين قبل السلام بنية جبر النقص، وهذا ما يُعرف بالسجود القبلي. ويُقدّم هذا النوع من السجود في جميع الحالات التي يغلب فيها النقص، أو يكون النقص خالصا بلا زيادة، ويُلاحظ أن السجود القبلي بمثابة جبر للخلل الذي وقع في الصلاة قبل إنهائها فهو بمنزلة الجزء المكمل للصلاة.

أما إذا كان السهو سببه فعل زائد كأن زاد المصلي ركوعا أو سجدة أو ركعة أو سلّم مرتين أو فعل ما ليس من الصلاة معتقدا أنه منها، فهنا يُقال إن السهو من باب الزيادة فيُشرع له أن يسجد بعد السلام وهذا يُعرف بالسجود البعدي لأن المقصود به ليس تكميل الصلاة وإنما إزالة ما زاد عليها من غير وجه مشروع.

وقد يحدث أحيانا أن يجتمع في صلاة واحدة سهو بالنقص وسهو بالزيادة كأن يترك سنة من سنن الصلاة ثم يزيد ركعة أو سجدة فحينها يرجع المصلي إلى القاعدة ويُرجّح جانب النقص، لأنه أشد تأثيرا على الصلاة ولأنه أولى بالجبر فيُؤتى بالسجود القبلي فقط، ولا يُلتفت للزيادة إلا إن كانت واضحة راجحة في حال المصلي.

كما أن بعض الفقهاء من المذاهب الأخرى كأصحاب الشافعي وأحمد قد يرون الجمع بين السجودين إذا تساوت الأدلة ولم يمكن الترجيح، في حين يرى المالكية أن الصلاة عبادة محكمة فلا يُزاد فيها إلا بدليل واضح وأن الأصل عدم الجمع بين السجدتين إلا إذا نص عليه الشرع. ومن هنا تظهر دقة المالكية في ضبط هذه الأحكام وربطها بأصول علمية ثابتة تستند إلى مقاصد الشريعة وإلى أحوال المكلفين، بحيث يكون سجود السهو وسيلة لحفظ الصلاة من الخلل لا سببا في تعقيدها أو إرباك المصلين.

كيفية استدراك السهو

استدراك السهو في الصلاة مسألة دقيقة تتطلب فهما صحيحا لما قرره فقهاء المذهب المالكي من ضوابط وأحكام، وقد بيّن العلماء كيفية استدراك السهو سواء تعلق الأمر بالسجود القبلي أو البعدي وذلك بحسب توقيت تذكر المصلي للسهو وظروفه.

فإذا كان السهو مما يُوجب السجود القبلي كأن يترك المصلي سنة مؤكدة أو هيئة من هيئات الصلاة سهوا فإنه يشرع له أن يسجد سجدتين قبل السلام فإذا نسي ذلك وتذكر قبل أن يُسلّم ولو بلحظات وجب عليه أن يتدارك الأمر فورا ويأتي بالسجود القبلي ثم يسلم، لأن هذا هو موضعه الشرعي ويُشترط في هذا الاستدراك أن يكون قرب السلام بحيث لم يقع بعد السلام الطويل أو الإعراض عن الصلاة. أما إذا سلّم المصلي وتذكر بعد السلام مباشرة وكان السهو مما يوجب السجود القبلي فإنه لا يرجع إليه لأنه خرج من الصلاة بسلامه عن قصد وهو في هذه الحالة لا يُعيد الصلاة وإنما يُعذر بنسيانه ولا شيء عليه في الغالب.

أما إذا كان السهو من نوع الزيادة وكان مما يُوجب السجود البعدي كأن زاد المصلي ركعة أو سجدة أو فعل ما ليس من الصلاة معتقدا أنه منها ثم تذكر بعد أن سلّم، فإنه يسجد سجدتين بعد السلام متى تذكر السهو بشرط أن لا يكون قد وقع مانع يمنع من الاستدراك وهذا ما يدل عليه قول ابن عاشر واستدرك البعدي ولو من بعد عام.

ويُفهم من هذا أن استدراك السجود البعدي لا يرتبط بزمن قريب بل يمكن أن يقع ولو بعد مدة طويلة بشرط أن لا يحدث ما يمنع من الرجوع إليه، فإن كان المصلي قد تكلم بكلام غير متعلق بالصلاة أو أحدث حدثا يوجب الطهارة، أو طال الفصل الزمني جدا بحيث يُفهم منه انصرافه عن الصلاة نهائيا فإنه لا يُستدرك حينها السجود البعدي.

أما إذا تذكر السهو بعد أن أتم الصلاة وقام منها أو شرع في صلاة أخرى أو خرج من المسجد أو أحدث أو طال الفصل فإن الأمر يتفاوت بحسب نوع السهو، وما إذا كان قبل السلام أو بعده، فإن كان السجود قبليا وقد طال الفصل أو حصل ما يقطع التتابع فلا يُستدرك، أما إذا كان السجود بعديا وتذكره قبل حصول مانع فإنه يُشرع له أن يسجد ما لم يكن قد أحدث أو طال الفصل بشكل يُخرج الصلاة من وقتها الذهني.

وقد راعى المالكية في ذلك التيسير على المكلّف وتقدير حاله والنية التي بنى عليها فعله، فالسهو أمر بشري طبيعي ولا يُؤاخذ عليه العبد إذا تداركه في محله وضمن الشروط الشرعية التي تضبط العبادات وتُبقيها في دائرة الخشوع والانتظام الشرعي.

سهو الإمام وسهو المأموم

سهو الإمام وسهو المأموم في صلاة الجماعة مسألة فقهية دقيقة لها ضوابط محددة في المذهب المالكي، وتُبرز مدى تنظيم الفقه الإسلامي لجوانب العبادة الجماعية والاقتداء في الصلاة. فإذا كان السهو قد وقع من المأموم فإن الإمام يتحمله عنه طالما أن المأموم لم ينفصل عن الإمام وكان متابعا له في الصلاة، فالمأموم حينها لا يسجد للسهو منفردا لأن صلاته تابعة لصلاة إمامه وما جُعل الإمام إلا ليُؤتم به.

فإذا سهى المأموم سهوا يقتضي سجودا سواء كان قبليا أو بعديا وكان الإمام لم يسهو فإنه لا يُشرع للمأموم أن يسجد للسهو بمفرده بل يتبع إمامه في التسليم، ولا يُحدث في الصلاة فعلا إضافيا ما دام الإمام لم يفعله. لأن الانفراد حينها يعد خروجا عن الجماعة والاقتداء وهو خلاف المقصود من صلاة الجماعة.

أما إذا كان السهو قد وقع من الإمام فإن حكم المأموم هو أن يتبعه في السجود سواء كان سجودا قبليا أو بعديا، وذلك لأن الإمام هو الأصل والمأموم تبع له، فمتى سجد الإمام سجد المأموم معه، ومتى لم يسجد لم يُشرع للمأموم أن يسجد بمفرده، وهذه القاعدة تعزز مبدأ وحدة الصف والجماعة في الصلاة وتُحافظ على انتظامها.

وفي حال سهى الإمام ولم يسجد للسهو فإن المأموم لا يُطالب بسجود السهو ما دام تابع إمامه في التسليم وكان السهو يسيرا لا يُخل بتمام الصلاة، فإذا كان السهو فاحشا أو يوجب إعادة الصلاة فإن الإمام والمأموم معًا يجب عليهما الإعادة أو السجود بحسب درجة السهو وطبيعته.

ومن الحالات المهمة التي ينبغي التنبه إليها أن المأموم إذا سهى بعد سلام الإمام فلا يُتابعه في سجود السهو إلا إذا كان الإمام قد سها أيضا وسجد للسهو فيُتابعه فيه، أما إذا كان الإمام قد سلّم ولم يسهو والمأموم تذكر بعد السلام أنه قد سها قبل أو أثناء الصلاة فإنه لا يُسجد للسهو كذلك، لأن الإمام لم يسجد ولا يُشرع للمأموم أن يخالف إمامه بعد الفراغ من الصلاة.

وقد نص فقهاء المالكية على أن من مقتضى الائتمام الكامل أن يكون الإمام كفيلا بسهو المأموم ما دام تابعًا له من أول الصلاة إلى آخرها، وهذا المعنى يُظهر حكمة الشريعة في تخفيف التكاليف على الناس وتوحيد صفوفهم وعدم تشتيت المصلين في أفعال مختلفة داخل جماعة واحدة.

ويُفهم من هذا أن صلاة الجماعة تُبنى على الاقتداء التام بالإمام في أركان الصلاة وهيئاتها وسهوها وتعويض ما فات فيها، وأن كل انفصال عن الإمام يُوجب فوات فضل الجماعة وربما يُخرج الصلاة عن وضعها الشرعي إذا أتى المأموم بسجود لم يسجده الإمام أو خالفه في هيئات الصلاة دون مبرر مشروع.

ما لا يشرع له سجود السهو

من المهم في فقه سجود السهو أن نميز بين ما يُشرع له هذا السجود وما لا يُشرع له، إذ ليس كل تردد أو خلل طارئ على المصلي يُوجب عليه سجودا. بل وضع الفقهاء ضوابط دقيقة تحفظ توازن الصلاة وتمنع الغلو أو التساهل في السجود ومن الحالات التي لا يُشرع فيها سجود السهو ما كان من قبيل الوساوس الكثيرة التي تتكرر دون يقين، فإن غلبة الوسواس وتكرار الشكوك من غير ترجيح أو جزم بالفعل تُعتبر من تلاعب الشيطان ولا يُلتفت إليها شرعا.

فالشرط في مشروعية سجود السهو هو تحقق السهو أو غلبة الظن بحصوله، فإذا كان الإنسان مبتلى بكثرة الشك ولم يثبت عنده نقص ولا زيادة بل صار في حيرة دائمة فلا يُطالب بسجود السهو، لأن هذه الحالة ليست من جنس السهو العارض وإنما من قبيل الوساوس التي ينبغي دفعها بالإعراض والتجاهل والتمسك باليقين لأن اليقين لا يزول بالشك.

كما لا يُشرع للمصلي أن يُكرر السجود للسهو من غير سبب معتبر في الشرع، فإذا سجد للسهو ثم وسوس له الشيطان أن في سجوده خللا فعاد وسجد مرة أخرى، ثم شك مرة ثالثة فسجد ثانية فإن هذا يُعد من العبث في الصلاة، ويُخالف مقصد الشارع في ضبط العبادة وحمايتها من الوسوسة والتكلف المذموم، لأن السجود للسهو جُعل جبرا لا مدعاة للتكرار والتردد.

وكذلك لا يُشرع سجود السهو إلا في الصلاة، فإذا وقع السهو في غير الصلاة كأن ينسى الإنسان آية من الذكر أو يخطئ في قراءة القرآن خارج الصلاة أو يختلط عليه التسبيح أو الأذكار فلا يُطلب منه سجود السهو، لأن هذا السجود عبادة مخصوصة بالصلاة نفسها وهو جزء من بنيانها وجبر لنقص فيها أما خارج الصلاة فالأمر مختلف ولا مدخل فيه لسجود السهو.

وقد بين الفقهاء أيضا أن السهو في القراءة المستحبة أو في قيام الليل أو في الأذكار بعد الصلاة لا يُوجب سجودا، لأن هذه المواطن لا تحتمل بنيانا على اليقين ولا على قاعدة الجبر كما هو الحال في الصلاة المفروضة أو المسنونة، فالمقصد من التشريع هنا هو حفظ الصلاة لا تعميم السجود في كل ما يعتري الإنسان من سهو أو نسيان.

ومن المسائل الدقيقة في هذا الباب أن بعض الناس قد يظنون أن كل سهو مهما قلّ يُلزمهم بالسجود فتراهم يُسرفون في السجود ويظنون أن ذلك من التورع وهذا خلاف مقصود الشريعة، فإن كثرة السجود بغير حاجة تُفضي إلى الإخلال بنظام الصلاة وربما تقود إلى الريبة والتشويش على المصلين.

لهذا كله فإن فقه السهو وسجوده يتطلب فهما دقيقا للضوابط الشرعية ومعرفة موارد المشروعية حتى لا يتحول الخشوع في الصلاة إلى حيرة، والطمأنينة إلى وسواس، فالدين مبني على اليسر والتوازن وما شُرع سجود السهو إلا رحمة بعباد الله وتيسيرا على المصلين وليس تعقيدا أو تشديدا.

أهمية تعلم أحكام السهو في الصلاة

إن تعلم أحكام السهو في الصلاة يُعد من الضرورات التربوية والفقهية التي ينبغي للمسلم الحرص عليها لما لها من أثر مباشر في حفظ الصلاة وإتمامها على الوجه المشروع، فالصلاة عماد الدين وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة وكان من رحمة الله بعباده أن شرع لهم سجود السهو ليرقعوا به ما يقع منهم من نقص أو خلل غير مقصود، ومن هنا تتجلى أهمية أن يعرف المصلي متى يسجد قبل السلام ،ومتى يسجد بعده، ومتى لا يُشرع له السجود أصلا، حتى لا يُفسد صلاته بجهل أو تردد.

فمعرفة هذه الأحكام تضبط الصلاة وتمنح المصلي طمأنينة في أدائها فإذا سها عن سنّة مؤكدة أو زاد ركوعا أو تردد في عدد الركعات، فإنه لا يبقى مترددا أو مهموما بل يعلم ما يجب عليه فيسجد السجود الذي شرعه الله له، ويُكمل صلاته بيقين. وهذا مما يُعين على الخشوع ويُبعد عن الوساوس التي قد تعكر على المسلم صفو عبادته خاصة إذا كان كثير الشكوك أو يعاني من ضعف التركيز.

كما أن الالتزام بأحكام السهو هو استجابة لأمر الشارع وتعظيم لشعائر الله إذ لم يترك الله أمر الصلاة للاجتهاد البشري أو للهوى، بل بيّن كيف تُؤدى وماذا يُفعل إذا اختل بعض أركانها أو واجباتها، فجاءت السنة النبوية بتفصيل هذه الأحكام كما جاءت النصوص الفقهية المالكية مبنية على قواعد الانضباط والاحتياط دون الوقوع في الوسوسة المذمومة.

ومن الأمور المهمة كذلك أن هذه الأحكام لا ينبغي أن تبقى مجرد معرفة نظرية بل يجب تربية النشء والأطفال عليها منذ الصغر، لأنهم قد يُصلون وينسون أو يزيدون ركعة فلا يعرفون ماذا يصنعون، وإذا كبروا على الجهل بأحكام السهو فقد يتهاونون في الصلاة أو يتركونها بالكلية لما يرونه من تعقيد ظاهر في تفاصيلها، بينما الحقيقة أن الأمر يسير إذا فُهم بطريقة صحيحة وتربوية.

لهذا ينبغي للأسر والمعلمين والأئمة أن يُدرّبوا الصغار على كيفية سجود السهو عمليا وأن يُشعروهم أن هذا السجود نعمة ورحمة وليس عقوبة أو حرجا، فيُقال لهم إن هذا السجود مثل الممحاة التي يمحو بها الإنسان خطأه ويُكمل بها ما نقص من صلاته دون أن يُعيدها أو يدخل في دوامة الشك والتردد.

كما أن تعميم هذا الفقه في المدارس والمساجد يُسهم في رفع الجهل عن عموم الناس، ويُزيل عنهم الحرج لأن كثيرا من الناس قد يُبتلون بالسهو فلا يعرفون كيف يُصححونه فيسألون بعد فوات الوقت أو يُعيدون الصلاة وهم في غنى عن ذلك، فالمعرفة هنا هي عبادة بحد ذاتها لأنها تحفظ عبادة أخرى هي الصلاة.

وباختصار فإن تعلّم فقه السهو يُحقق التوازن بين الخشوع والانضباط، وبين الاطمئنان واليقين، ويُقرّب العبد من الله من حيث يظن البعض أن السهو يبعده عنه، بل هو مدخل من مداخل رحمة الله وتيسيره لعباده ليعبدوه بوعي ويقين وسكينة.

استخلاص الأحكام من متن ابن عاشر

الأبيات التي نظمها الإمام ابن عاشر في هذا الفصل من متنه المبارك تتعلق بأحكام السهو في الصلاة، وهي من أهم الأبواب التي ينبغي الاعتناء بها تعليما وتطبيقا لما فيها من بيان لكيفية تصحيح ما يقع من خلل أو نسيان في الصلاة بطريقة تحفظ للمكلف عبادته ولا تُدخله في الوسوسة أو الغفلة.

يقول الناظم: "فصل لنقص سنة سهوا يسن* قبل السلام سجدتان أو سنن* إن أكدت ومن يزد سهوا سجد* بعد كذا والنقص غلب إن ورد* واستدرك القبلي مع قرب السلام* واستدرك البعدي ولو من بعد عام* عن مقتدٍ يحمل هذين الإمام..*"

البيت الأول: يُقرر أن من سها عن سنة من سنن الصلاة فإنه يُسن له أن يسجد قبل السلام، وهذا ما يُعرف عند المالكية بالسجود القبلي. وهو مشروع حين يقع النقص بترك سنة مؤكدة كسجود من سها عن الجلوس للتشهد الأول أو عن تكبيرة من تكبيرات الانتقال، فالسجود القبلي هو السجود الذي يسبق التسليم ويُقصد به جبر ما نُقص من سنن مؤكدة، وقد عبر الناظم بلفظ يسن للدلالة على استحباب هذا السجود لا على وجوبه إلا في بعض الحالات النادرة.

ثم في البيت الثاني: بين الناظم أن من زاد في صلاته سهوا كأن زاد ركعة أو سجدة أو فعلا ليس من أفعال الصلاة فإنه يُشرع له السجود بعد السلام، ويسمى السجود البعدي وذلك لأن الزيادة تعتبر خروجًا عن الأصل فيُؤخر السجود لتمييزه عن السجود الأصلي للصلاة.

ثم جاءت قاعدة فقهية تُعد من القواعد الكبرى عند المالكية وهي إذا اجتمع في الصلاة نقص وزيادة يُغلب جانب النقص ويُعمل به ويُقدّم السجود القبلي على البعدي، وهذا مبني على الاحتياط وعلى النظر إلى ما يؤثر على كمال الصلاة فالنقص أخطر من الزيادة من جهة المعنى.

ويُشير الناظم أيضا إلى حكم مهم يتعلق بوقت استدراك سجود السهو فيقول إن السجود القبلي يُستدرك ما دام لم يُسلّم، فإن تذكره قبيل السلام ولو بلحظات سجد قبل التسليم، ولا يُقال فاته أما السجود البعدي فيُستدرك حتى بعد زمن طويل ما لم يحدث مانع من موانع السجود، كأن يُحدث أو يخرج من المسجد أو يتكلم بكلام أجنبي عن الصلاة.

وفي ختام الأبيات يشير الناظم إلى حكم الإمام والمأموم في سجود السهو فيقول: عن مقتد يحمل هذين الإمام، أي أن الإمام يتحمل عن المأموم السجود القبلي والبعدي إذا وقع من المأموم ما يقتضي سجودا بينما الإمام لم يسهو، فالمأموم لا يسجد في هذه الحالة بل يسلم مع الإمام ولا يُطالب بجبر ما سها عنه لأن الإمام كفاه مؤونة ذلك.

والمقصود بالقبلي هو السجود الذي يكون قبل التسليم ويقصد به جبر النقص، أما البعدي فهو ما يأتي بعد السلام ويُقصد به جبر الزيادة، ويُميز بينهما توقيتا ونيّة وأداء، فالقبلي يتبع الركعة الأخيرة والبعدي يأتي بعد التحيات والتسليم.

أما مسألة تحمل الإمام لسهو المأموم فهي من خصائص الجماعة وتُشير إلى التيسير الذي جاءت به الشريعة، فالمأموم لا يُكلّف بسجود السهو إذا كان سهوه خاصا به وكان الإمام لم يسهو، أما إذا سهيا معا أو سها الإمام فقط فإن المأموم يتابعه في السجود دون مخالفة.

هذا كله يدل على دقة النظم في ربط القواعد بالأمثلة العملية داخل الصلاة ويُبرز عناية فقهاء المالكية بضبط العبادات ورفع الحرج عنها دون تفريط في هيبتها ومقاصدها.

أسئلة التقويم

- ما الفرق بين السجود القبلي والسجود البعدي من حيث السبب والوقت والمقصد في فقه المالكية؟
- رجل نسي التشهد الأول فقام إلى الركعة الثالثة، ولم يتذكر إلا قبل السلام، ماذا عليه أن يفعل؟ وهل يتغير الحكم لو تذكر بعد السلام؟
- إذا اجتمع في الصلاة سهو بالنقص وسهو بالزيادة، فما الذي يُرجّح عند المالكية؟ وضّح قاعدة الترجيح في هذه الحالة.
- ما حكم سهو الإمام وسهو المأموم؟ وهل يسجد المأموم إذا سها وحده والإمام لم يسجد؟ علّل جوابك.
- اذكر ثلاث حالات لا يُشرع فيها سجود السهو مع التعليل، مستندًا إلى فقه السادة المالكية.
- ما أهمية تعلم أحكام السهو في الصلاة بالنسبة للفرد والمجتمع؟ وكيف يساهم ذلك في الخشوع وعدم الوسوسة؟

إجابات أسئلة التقويم

* ما الفرق بين السجود القبلي والسجود البعدي من حيث السبب والوقت والمقصد في فقه المالكية؟

- السجود القبلي هو ما يُشرع قبل السلام ويكون سببه غالبًا النقص، كترك سنة مؤكدة أو هيئة معتبرة من هيئات الصلاة سهوا. أما السجود البعدي، فيُشرع بعد السلام ويكون سببه الغالب هو الزيادة، كأن يزيد المصلي ركعة أو سجدة أو قعودًا زائدًا أو تشهدًا في غير موضعه.
القبلي يُقصد به جبر النقص في الصلاة، أما البعدي فيُقصد به الاعتذار عن الزيادة فيها. والمالكية يفرقون بينهما بهذه القاعدة: "إذا اجتمع النقص والزيادة غُلب جانب النقص" فيشرع القبلي.

* رجل نسي التشهد الأول فقام إلى الركعة الثالثة، ولم يتذكر إلا قبل السلام، ماذا عليه أن يفعل؟ وهل يتغير الحكم لو تذكر بعد السلام؟

- إذا نسي المصلي التشهد الأول وهو سنة مؤكدة عند المالكية وقام إلى الثالثة، فلا يرجع إذا استتم القيام، وإنما يُكمل صلاته ويسجد سجدتين قبليتين قبل السلام لجبر هذا النقص.
أما إذا لم يتذكر إلا بعد السلام، فإن تذكر بعد زمن يسير وكان لم يخرج من هيئة الصلاة، رجع إلى هيئة الصلاة وسجد سجدتين، ثم أعاد السلام. أما إذا طال الفصل أو خرج من هيئة الصلاة، فقد فات محل السجود القبلي، وتسقط عنه ولا يعيد الصلاة.

* إذا اجتمع في الصلاة سهو بالنقص وسهو بالزيادة، فما الذي يُرجّح عند المالكية؟ وضّح قاعدة الترجيح في هذه الحالة.

- عند المالكية، إذا اجتمع السهو بالنقص والسهو بالزيادة في صلاة واحدة، فإنهم يُرجحون جانب النقص. والقاعدة عندهم: غلبة النقص توجب السجود القبلي.
فإذا حصلت زيادة كالتشهد في غير موضعه، وفي الوقت نفسه نسي المصلي سنة مؤكدة كالتشهد الأول، فإنه يُشرع له السجود قبليًا لا بعديًا، لأن جبر النقص أولى. أما إذا تعادلت الحالتان أو لم يُعلم الأسبق منهما، فالأصل عند المالكية تغليب النقص على الزيادة.

* ما حكم سهو الإمام وسهو المأموم؟ وهل يسجد المأموم إذا سها وحده والإمام لم يسجد؟ علّل جوابك.

- في صلاة الجماعة، يتحمل الإمام عن المأموم كل ما يتعلق بأحكام السهو، بشرط أن يكون المأموم قد ائتم بالإمام من أول الصلاة أو أدرك معه ركعة.
فإذا سها الإمام، يسجد الإمام ويتبعه المأموم في سجود السهو، سواء كان قبل السلام أو بعده. أما إذا سها المأموم وحده، كأن نسي سنّة أو زاد شيئًا، والإمام لم يسجد للسهو، فلا يسجد المأموم وحده لأن الإمام يتحمل عنه السهو.
وإذا سها المأموم بعد أن سلّم الإمام، فلا يتابعه لأن الإمام قد أنهى الصلاة، ويستدرك المأموم ما فاته على حسب حالته.

* اذكر ثلاث حالات لا يُشرع فيها سجود السهو مع التعليل، مستندًا إلى فقه السادة المالكية.

- أولا: لا يُشرع سجود السهو عند الوساوس الكثيرة التي لا يتيقن المصلي فيها بحدوث السهو، لأن الشك الذي لا يستند إلى غالب ظن لا يُبنى عليه حكم. ثانيا: لا يُشرع السجود إذا حصل تكرار السجود أو الأفعال من غير سبب معتبر، فمثلاً من سجد ثلاث سجدات في ركعة وهو يعلم العدد فقد زاد عمدًا فلا يجبره السجود وإنما تبطل صلاته. ثالثا: لا يُشرع السجود إذا حصل سهو في غير الصلاة، كالنسيان في الذكر أو قراءة القرآن خارج الصلاة، فالسهو المشروع له السجود مقيد بداخل الصلاة المفروضة أو المسنونة.

* ما أهمية تعلم أحكام السهو في الصلاة بالنسبة للفرد والمجتمع؟ وكيف يساهم ذلك في الخشوع وعدم الوسوسة؟

- تعلم أحكام السهو في الصلاة مهم جدًا للفرد لأنه يضبط أداء الصلاة ويحافظ على كمالها، ويجعل المصلي في راحة وطمأنينة عند حدوث خطأ أو نسيان، فلا يقع في قلق أو وسواس. وهو يساهم في تعزيز الخشوع لأن الإنسان حين يعرف أن الخطأ الذي وقع فيه له حكم شرعي وسجود يجبره، فإنه لا يُشغل نفسه بتكرار الصلاة بلا داعٍ. أما على مستوى المجتمع، فإن تعلّم هذه الأحكام ونشرها بين الأطفال والناشئة يساعد على بناء جيل واعٍ بأحكام عبادته، ويمارس صلاته بخشوع ويقين، ولا يقع فريسة للوساوس أو الغلو.

مواضيع ذات صلة

درس تعليمي 16 : الصلوات وأنواعها في الفقه المالكي من خلال نظم ابن عاشر 
درس تعليمي 15 : مكروهات الصلاة في المذهب المالكي وفق متن ابن عاشر: أحكامها وأنواعها وأثرها على الخشوع وكمال العبادة
درس تعليمي 14: مندوبات الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: أسرار تحسين الخشوع وزيادة الأجر في العبادة
درس تعليمي 13: أحكام الأذان وقصر الصلاة في الفقه المالكي: شروطها وأهميتها وفق متن ابن عاشر 
درس تعليمي 12: سنن الصلاة في الفقه المالكي بين التأكيد والاستحباب وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 11: شروط صحة ووجوب الصلاة في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر: شرح وتحليل مفصّل
درس تعليمي 10: فرائض الصلاة في الفقه المالكي: شرح وتحليل وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 9: التيمم في الفقه المالكي: أسبابه وأحكامه وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 8 : صفة الغسل وموجباته في الفقه المالكي وفق متن ابن عاشر
درس تعليمي 7: فرائض الغسل وسننه ومندوباته في الإسلام وفق المذهب المالكي: شرح مفصل من متن ابن عاشر

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-